مجمع البحرين وجواهر الحبرين

{والفجر}

          ░░░89▒▒▒ سورة الفجر(1)
          مكية وقيل: مدنية حكاه ابن النقيب عن علي بن أبي طلحة.
          الشفع: الزوج، والوتر: الله. وذكر بعده أعني (خ) عنه كل شيء خلقه فهو شفع، السماء شفع، والوتر الله، وفيها أقوال أخر، قيل: يوم النحر ويوم عرفة، وقيل: الصفا والمروة والبيت وقيل: القرآن والأفراد، وقيل: الصلاة وقيل: العدد، وقيل: الله مع خلقه، وقيل: الشفع آدم وحواء. وقيل: الشفع التعجيل من منى، والوتر من تأخر، وزيفه الطبري. وقيل: المغرب فيها شفع ووتر، والوتر بفتح الواو وكسرها قراءتان.
          ({إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر:7] القديمة، والعماد أهل عمود لا يقيمون) ومعنى لا يقيمون: ينتجعون لطلب الكلأ، وهي قبيلة، وهي عاد الأولى، وكانوا بادية أهل عمد، وقيل: هي مدينة، فقيل: بناها إرم في بعض صحارى عدن في ثلاثمائة سنة صفة الجنة فلما تمت سار إليها بجنوده فجاءتهم قبل وصولهم إليها بيوم وليلة صبيحة من السماء فهلكوا وقيل هي مدينة الإسكندرية وقيل: مدينة دمشق، يقال: وجد فيها أربعمائة ألف وأربعون ألف عمود وبانيها جيرون بن سعيد وقيل: دمشقش غلام نمروذ الجبار، وفيه نظر، وقال مجاهد: إرم: أمة. وقال ابن إسحاق: عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، وقال ابن عباس إرم هالك، وقال مرة: كانوا طوالاً مثل العماد، طول أحدهم مائة ذراع، وأقصرهم اثنا عشر ذراعاً، وصوب الطبري أن إرم اسم قبيلة من عاد، وقيل: هو أبو عاد، وقيل: العماد البستان الطويل وذكر الداودي أن العماد هي التي تدخل في البناء وهي السواري.
          ({سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:13] الذي عذبوا به) قلت: وهو على الاستعارة لأن السوط عندهم غاية العقاب فجرى ذلك لكل عذاب، قال قتادة: يعني لوناً من العذاب صبه عليهم، وقال ابن زيد فيما حكاه ابن جرير: العذاب الذي عذبهم به سماه سوط عذاب، ولعل هذا هو المراد بقوله، وقال غيره: حيث ذكره بعد وكرره وزاد يدخل فيه السوط.
          ({أَكْلًا لَّمًّا} [الفجر:19] السف. و{جَمًّا} [الفجر:20] الكثير) قلت قال ابن عباس: {لَّمًّا}: شديداً حكاه ابن جرير، وعبارة أبي عبيدة: لممت ما على الخوان إذا أتيت ما عليه وأكلته كله أجمع من قولك: لممت الشيء إذا جمعته. وقال بعده لمما لممته أجمع أبيت على آخره والأول قول مجاهد والثاني قول ابن عباس.
          قال أبو زيد: وسففت الدراء أسفه سفًّا وسففت / الماء إذا أكثرت من شربه من غير أن تروى. قال الحسن: يأكل نصيبه ونصيب غيره. وقال غيره: لا يسأل عن وجهه، والجم: الكثير كما ذكر يقال: جم الماء في الحوض إذا كثر واجتمع.
          ({لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:14]: إليه المصير) أي: فلا محيص عنه، وقال ابن عباس: بحيث يرى ويسمع.
          ({تَحَاضُّونَ} [الفجر:18]: تحافظون، ويحضون يأمرون بإطعامه) قلت: وهما قراءتان في السبعة، والثاني: بالتاء والياء، عن الكسائي ضم التاء في الأول. ({الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر:27]: المصدقة بالثواب) أي: الموعود، وقال الحسن: إذا أراد الله قبضها اطمأنت إلى الله واطمأن الله إليها، ورضيت عن الله و♦ فأمر بقبض روحها، وأدخله الله الجنة وجعله من عباده الصالحين.
          (وقال غيره: {جَابُوا} [الفجر:9] نقبوا جبت القميص: قطعت له جيباً. يجوب الفلاة: يقطعها) أراد بغيره والله أعلم رواه عبد بن حميد عن يونس، عن شيبان، عنه؛ أي: نحتوا الصخر، وقال مجاهد: خرقوا الجبال فجعلوا فيها بيوتاً.
          قال والدي ⌂:
          قال تعالى: ({إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ}) [الفجر:7] أي: القديمة يعني: لما كانت عاد قبيلتين عاد الأولى وعاد الأخيرة جعل إرم عطف بيان لعاد إيذاناً بأنهم عاد الأولى القديمة وهي اسم أرضهم التي كانوا فيها، و(أهل عمود) أي: كانوا بدويين أهل خيام غير مقيمين في بلد، وقال تعالى: ({سَوْطَ عَذَابٍ}) [الفجر:13] وهو الذي عذبوا به وقيل: هو كلمة تقولها العرب لكل نوع من العذاب يدخل فيه السوط، وقال: ({وَلَا تَحَاضُّونَ}) [الفجر:18] أي: لا تحافظون وتحضون؛ أي: تأمرون بإطعامه، وقال: ({وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا}) [الفجر:19] أي: سَفًّا وقيل جمعا بين الحلال والحرام يقال: لممته أجمع إذا أتيت على آخره.
          وقال: ({وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}) [الفجر:20] أي: كثيراً شديداً مع الحرص وقال: ({وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ}) [الفجر:3] أي: كل مخلوق شفع والوتر هو الخالق فقط، قال تعالى: ({وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}) [الذاريات:49] فإن قلت: السماء سبع فهو وتر قلت: معناه السماء شفع الأرض كالحار والبارد والذكر والأنثى، وقال: ({جَابُوا الصَّخْرَ}) [الفجر:9] أي: نقبوه وقال: ({إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}) [الفجر:14] أي: إليه المصير، وقال: ({يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ}) [الفجر:27] أي: المصدقة بالثواب وإسناد الاطمئنان إلى الله مجاز يريد به لازمه وغايته من نحو إيصال الخير والرضا هو ترك الاعتراض.
          الزركشي:
          ({أَكْلًا لَّمًّا} [الفجر:19] السف) بالسين المهملة، قال أبو زيد: سففت الدواء أسفه سفًّا إذا أكثرت من شربه من غير أن تروى، ويروى بالشين المعجمة يريد الإكثار من الأكل الشديد، وإنما استعمل السف في الشرب، وفي حديث أم زرع: ((إن شرب استف)).


[1] في هامش المخطوط: ((قال المهدوي في ((تفسيره)): الفجر قيل فجر الصبح عن الحسن وعكرمة، ابن عباس: الفجر المحرم وهو فجر السنة، وعنه الفجر النهار، وعنه صلاة الصبح وقيل: هو صبيحة يوم النحر انتهى.
قال ابن الجوزي في ((زاد المسير)): وللمفسرين في هذا الفجر ستة أقوال: أحدها: أن الفجر المعروف الذي هو بدو النهار قاله علي، وعن ابن عباس قال هو انفجار الصبح كل يوم وبهذا قال عكرمة وزيد بن أسلم والقرطبي، والثاني: صلاة الفجر رواه عطية عن ابن عباس، والثالث: النهار كله فعبر عنه بالفجر لأنه أوله روي عن ابن عباس.
والرابع: أنه فجر يوم النحر خاصة قاله مجاهد، والخامس: أنه فجر أول يوم من ذي الحجة قاله الضحاك، والسادس: أنه أول يوم من المحرم تنفجر منه السنة قاله قتادة انتهى.
أقول: وفي قول ابن عباس أن الفجر المحرم وهو فجر السنة وفي قوله من نجوى ثلاثة أوله يوم من المحرم تنفجر منه السنة وقيل: على أن المحرم أول السنة وهو جواب من سأل عن الحكمة في كون المحرم أول شهور السنة وهو حسن فتأمله.
وفيه أجوبة أخرى منها: أنه أحد الأشهر الحرم وسمي بالمحرم فكانت حرمته أقوى من الثلاثة الأخر والمحرم أفضل وغيرنا من الشهر يعافها أفضل الشهور مطلقاً فصار أول شهور السنة، أو أنه شهر يحسب عبادة عظيمة ثالثة بدنية وهي الحج أو أنه شهر كان بعد نزول قوله {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ} فكان بعد الكمال فناسب أن يكون أول الشهور، أو أنه ◙ والله أعلم ربما أذن له في الهجرة فيه، واعلم أن صاحبه... وشرع في تجهيز هجرته وإخبائه فخرج في صفر من مكة المشرفة وأقام بغار ثور أياما اختلف في عددها وتوجه في آخر صفر إلى المدينة الشريفة فقدمها في ربيع الأول... هي أولى سني الهجرة وهذا محمل.....)).