مجمع البحرين وجواهر الحبرين

الممتحنة

          ░░░60▒▒▒ سورة الممتحنة
          مدنية، نزلت بعد الأحزاب وقبل النساء: كما قاله السخاوي. وهي بكسر الحاء، كما قاله السهيلي. أي: المختبرة، أضيف إليها الفعل مجازاً، كما سميت سورة براءة: المعتبرة والفاضحة لما كشفت من عيوب المنافقين، ومن قاله بالفتح أضافها للمرأة التي نزلت فيها، وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف وأم ولده إبراهيم.
          وقال مقاتل: الممتحنة اسمها سبيعة، ويقال: سعيدة بنت الحارث الأسلمية، وكانت تحت عمرو بن العاص. قال: وروي أن الآية نزلت في أميمة بنت بشر من بني عمرو بن عوف وأم عبد الله بن سهل بن حنيف، وكانت تحت حسان بن الدحداحية، ففرت منه، وهو حينئذ كافر فتزوجها سهل بن حنيف.
          (وقال مجاهد: {لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} [الممتحنة:5] لا تعذبنا بأيديهم فيقولوا: لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا).
          قوله: ({بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] أمر أصحاب النبي صلعم بفراق نسائهم، اللاتي كن كوافر بمكة) والمراد بالكوافر: الوثنيات. وقال ابن عسكر: نزلت في امرأة لعمر بن الخطاب كانت كافرة فطلقها، فتزوجها معاوية بن صخر، واسمها قريبة ابنة أبي أمية. وعند مقاتل: تزوجها أبو سفيان، ويقال: نزلت هذه الآية في أبي السنابل بن بعكك بن السباق، وفي أصحاب هشام بن العاص وامرأته هند ابنة أبي جهل، وعياض الفهري وامرأته أم حكيم بنت أبي سفيان، وشماس بن عثمان المخزومي وامرأته عاتكة بنت يربوع وذي اليدين بن عبد عمرو وامرأته هند بنت عبد العزى(1). وعند عبد بن حميد عن الشعبي أن امرأتين لعمر بن الخطاب خرجتا إلى المشركين فنكح إحداهما معاوية. ثم ساق (خ) بعد حديث علي: بعثني رسول الله صلعم أنا والزبير الحديث وسلف في الجهاد في باب: الجاسوس.
          باب {إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة:10]
          ساق فيه من حديث إسحاق عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن أخي ابن شهاب، عن عمه أخبرني عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلعم كان يمتحن الحديث وقد سلف وأخرجه (خ) في المغازي والنكاح والأحكام والطلاق.
          وأخرجه (م) (ت) (ن) (ق) وإسحاق الأول قيل: إنه ابن راهويه. وقيل: ابن منصور، وكل منهما ثقة، وكلاهما يرويان عن يعقوب. وعند الزجاج: جلس ◙ على الصفا، وجلس عمر دونه، فكن النساء يبايعن ويمسحن أيديهن بيد عمر. وقيل: من وراء ثوب.
          باب {إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة:12]
          فيه أحاديث:
          1- حديث أم عطية: بايعنا رسول الله صلعم.. الحديث.
          ويأتي في الأحكام وأخرجه (م) (ن) وقبضها يدها قد يكون مخالفاً لحديث عائشة السالف: ما مست يده يد امرأة قط قريباً، وقيل: إنهن كن يمددن يدهن دونه. والأظهر كما قال ابن التين أن ذلك عبارة عن امتناعها من البيعة إذ كانت البيعة عندهم بأخذ الأيدي(2). ومعنى الإسعاد: القيام معها في مناحة تراسلها فيها، والإسعاد / خاص في هذا المعنى، ولا يستعمل إلا في البكاء، والمساعدة عامة في سائر الأمور، يقال: أصلها من وضع الرجل يده على ساعد صاحبه إذا تعاونا على أمر.
          2- حديث الزبير وهو ابن الحريث البصري عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة:12] قال: إنما هو شرط شرطه الله للنساء. وهو من أفراده.
          والمعروف هو النوح. وقيل: الخلوة بغير ذي محرم. وقيل: لا تخمش وجهها، ولا تشق جيباً، ولا تدع ويلاً، ولا تنشد شعراً. وقيل: الطاعة لله ولرسوله. وقيل: في كل أمر فيه رشدهن. وقيل: هو عام في كل معروف أمر الله به.
          3- حديث عبادة في المبايعة، سلف في الإيمان. ثم قال: تابعه عبد الرزاق وهذه المتابعة أخرجها (م) عن عبد بن حميد، عن عبد الرزاق، وأخرجها (ن) من حديث غندر عن معمر.
          4- حديث ابن عباس فيها أيضاً. وسلف في الصلاة.
          والفَتَخ بفتح الفاء والتاء جمع فتخة، وهي كالحلقة تلبس لبس الخاتم. والبهتان في الآية: الولد من غير الزوج ينسب إليه. وقيل: معنى {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ} ما كان من قبلة أو حسبة أو أكل حرام، {وَأَرْجُلِهِنَّ} [الممتحنة:12] ما كان من جماع أو دونه. وقيل: بين ألسنتهن وفروجهن. وقيل: إنه تأكيد مثل فبما اكتسبت أيديكم.
          وهذا الحديث أخرجه (خ) عن محمد بن عبد الرحيم، عن هارون بن معروف. وهارون هذا روى (م) عنه، وروى (خ) عن رجل عنه كداود بن رشيد، وشريح بن يونس، وسعيد بن منصور، وعباد بن موسى، وأحمد بن منيع روى (م) عنهم، وروى (خ) عن رجل عنهم.
          قال والدي ⌂:
          (الممتحنة) بفتح الحاء قال: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة:10] جمع العصمة وهي ما يعتصم به من عقد وسبب.
          قوله: (الحسن بن محمد بن علي) بن أبي طالب وهو محمد المشهور بابن الحنفية، و(عبيد الله بن أبي رافع) ضد الخافض واسمه أسلم مولى رسول الله صلعم ملازم علي وكاتبه، و(المقداد) بكسر الميم وإسكان القاف وبالمهملتين ابن الأسود، و(خاخ) بالمعجمتين موضع بين مكة والمدينة، و(ظعينة) بفتح المعجمة وكسر المهملة المرأة في الهودج واسمها سارة بالمهملة والراء، و(تعادي) بلفظ الماضي أي: تتبَاعَد وتتحازى، و(لنلقين الثياب) مقتضى القواعد النحوية أن يقال لنلقن بحذف الياء فتأويله أنه ذكر كذلك لمشاكلة لتخرجن وفي بعضها بحذف القاف والياء ورفع الثياب، و(العقاص) بكسر المهملة وبالقاف وبالمهملة، الشعر المضفور، و(حاطب) بكسر المهملة الثانية وبالموحدة ابن أبي بلتعة بفتح الموحدة والفوقانية وسكون اللام وبالمهملة. اسمه عمرو بن راشد بن معاذ اللخمي حليف قريش.
          فإن قلت: قال أولاً إني كنت امرءاً من قريش، وثانياً: لم أكن من أنفسهم وهما متنافيان قلت: المراد منهم حلفاً وولاء ونحوه ولست منهم نسباً وولادة.
          قوله: (يدا) أي: يد منه عليهم وحق محبة، و(غفرت) أي: الأمور الأخروية وإلا فلو توجه على أحد منهم حد مثلاً يستوفى منه ومر مباحثه في كتاب الجهاد في باب الجاسوس، وقال سفيان أي: ابن عيينة لا أدري أن حكاية نزول الآية من تتمة الحديث الذي رواه علي ☺، أو قول عمرو بن دينار موقوفاً عليه، وقال علي بن المديني قيل لسفيان أفي هذا نزلت {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي} [الممتحنة:1] فقال: هذا في حديث الناس ورواياتهم، وأما الذي حفظته أنا من عمرو فهو الذي رويته منه من غير ذكر النزول وما تركت منه حرفاً ولم أظن / أحداً حفظ هذا الحديث من عمرو غيري.
          قوله: (إسحاق) إما ابن إبراهيم وإما ابن منصور، و(ابن أخي ابن شهاب) هو محمد بن عبد الله بن مسلم وبهذا الشرط وهو على أن لا يشركن بالله شيئاً... إلى آخره، و(عبد الرحمن بن إسحاق) القرشي (وإسحاق بن راشد) ضد الضال الجزري بالجيم والزاي والراء و(عمرة) بفتح المهملة وسكون الميم بنت عبد الرحمن التابعية، و(أبو معمر) بفتح الميمين عبد الله، و(أم عطية) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية اسمها نسيبة مصغراً ومكبراً. فإن قلت: لفظ قبضت مناف لما تقدم آنفاً أنه ما بايعهن إلا بقوله. قلت: مؤول بنحو إن المراد من القبض التأخر عن القبول جمعاً بينهما. نعم لو قال بسطت لكان للاعتراض أدنى شبهة من القوة أو بأن مبايعتهن كانت ببسط اليد والإشارة بها من دون مماسة(3).
          قوله: (أسعدتني فلانة) الخطابي: يقال أسعدت المرأة صاحبتها إذا قامت في نياحة معها تراسلها في نياحتها والإسعاد خاص في هذا المعنى والمساعدة عامة في جميع الأمور. النووي: هذه المرأة أم عطية وهو محمول على الترخيص لها خاصة في تلك المرأة خاصة وللشارع أن يخص من شاء من العموم.
          قوله: (وهب بن جرير) بفتح الجيم وكسر الراء الجهضمي بالجيم وبالمعجمة، و(الزبير) بضم الزاي (ابن خريت) بكسر المعجمة والراء المشددة وسكون التحتانية وبالفوقانية البصري.
          قوله: (للنساء) فإن قلت: وكذلك للرجال كما مر في كتاب الأيمان أنه بايعهم ليلة العقبة وقال: لا يعصوني في معروف فما وجه التخصيص بهن؟ قلت: مفهوم اللقب مردود.
          قوله: (أبو إدريس) اسمه: عائذ الله بلفظ فاعل العوذ بالمهملة والمعجمة (الخولاني) بفتح المعجمة الشامي، و(عبادة) بضم المهملة وخفة الموحدة (ابن الصامت) ضد الناطق، و(آية النساء) هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ} [الممتحنة:12] إلى آخره (وأكثر لفظ سفيان قرأ الآية) أي: أقله أنه قرأ آية النساء وأكثره أنه أطلق الآية بدون ذكر النساء ومر شرح الحديث في الإيمان، و(تابعه في الآية) أي: في إطلاقها وعدم تقييدها بالنساء.
          قوله: (هارون) ابن معروف البغدادي مات سنة إحدى وثلاثين ومائتين، و(الحسن) ابن مسلم بفاعل الإسلام، و(أنتن على ذلك) أي: مبايعات عليه، و(تصدقن) يحتمل أن يكون ماضياً وأمراً، و(الفتح) الخواتيم العظام وقيل حلق من فضة لا فص فيها.
          الزركشي:
          ({وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ} [الممتحنة:12]) أحسن ما قيل فيه: إنه نسبة الولد من الزنا أو الملتقط للزوج.
          قوله: (أسعدتني فلانة) يقال: أسعدت فلانة صاحبتها إذا قامت معها في مناحة تراسلها في نواحها والإسعاد خاص بهذا المعنى.
          (فما قال لها شيئاً فانطلقت ورجعت فبايعها) هذا مشكل، فإنه وقد حرمت النياحة فكيف لم ينكر عليها؟!
          وحمله النووي على الترخيص لأم عطية خاصة، ولا يخفى ضعفه، ولو حمل على أنها ساعدتهم بالبكاء الذي لا نياحة فيه كان أقرب.
          أقول: العجب من الزركشي يضعف كلام النووي مع قوته وهو أن النبي ◙ له أن يخص بعض أمته بشيء دون غيره وهو ينكر الإسعاد أنه خاص بالنياحة والمراسلة فيها ثم يقول ولو حمل على أنها ساعدتها بالبكاء لعمري هذا أبعد مما قال النووي فتأمله.
          وقال الجوهري: الفتخ بالتحريك حلقة من فضة لا فص فيها فإذا كان فيها فص فهو الخاتم، والجمع: فتخ وفتخات، وربما جعلتهما المرأة في أصابع رجليها.
          قوله: (فقبضت امرأة يدها) هي أم عطية وقيل: خولة بنت حكيم الأنصارية سميت في بعض الحديث وأنه قال لها اذهبي فأخبريهم ثم تعالي بايعيني، رواه عبد بن حميد.
          تقدم أن النووي قال: إن هذا خاص بأم عطية في آل فلان ولا يحل النياحة لها ولا لغيرها في غير آل فلان وللنبي ◙ أن يخص من شاء بما شاء / .
          أقول: وأيضاً لو منعها في الحال الراهنة ربما أنه كان يمنعها ذلك عن بيعها بل وبيعه غيرها بسبب ذلك فرخص النبي ◙ لها ذلك لذلك، وقد كان صلعم يتآلف الناس ويتبع مقاصدهم ويبدل ميولاتهم ترغيباً في الدين وتطميناً لقلوبهم ولهذا نظائر في الشريعة.
          أقول: فإن قلت: سبق أن رسول الله صلعم ما مست يده يد امرأة في المبايعة وقال هنا فقبضت امرأة يدها وأيضاً قالت القابضة: أسعدتني فلانة إلى آخره فكيف لم يمنعها؟ قلت: أما قبضها يدها تأول على أنه ◙ ما كان يبايعهن بيده وإنما هي اعتقدت أن مبايعتهن كمبايعة الرجال فلما قال ولا تنحن فقبضت يدها وذلك قبل أن تعلم أن مبايعتهن ليس إلا باللفظ لا باليد، وأما تركها قد هبت تسعد فإنها لم تكن قد بايعت بعد فلذلك سكت عنها.
          وفي (ت) من حديث أم سلمة الأنصارية قال قالت امرأة من النسوة ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه؟ قال: لا تنحن قلت يا رسول الله إن بني فلان قد أسعدوني على عمي ولا بد لي من قضائهم فأبى علي فعاتبته مراراً فأذن لي في قضائهن فلم أنح بعد قضائهن ولا غيره حتى الساعة ولم يبق من النسوة امرأة إلا وقد ناحت غيري رواه (ت) وقال: هذا حديث حسن غريب.
          أقول: ويحتمل أنهن كن يمددن أيديهن للمبايعة تأدباً وانقياداً والنبي صلعم لا يمد يده الشريفة، بل يبايعهن كلاماً فإن صح هذا صح معنى قبضها يدها.
          وقال ابن الجوزي في ((تلقيح فهوم أهل الأثر)): وروى عبيد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلعم كان لا يصافح النساء في البيعة، وقالت عائشة: لم يصافح رسول الله صلعم امرأة قط إنما كان يبايعهن كلاماً، وقد روي عن الشعبي قال: بايع النبي صلعم النساء من وراء الثوب وقيل: إنه غمس يده في إناء وأمرهن فغمسن أيديهن فيه فكانت هذه هي البيعة والقول الأول أثبت انتهى كلامه.
          أقول: فيقال معنى قبضت أي: لم تغمس يدها في الإناء وهو ظاهر.
          أقول: قال ابن العربي في ((الأحكام)) وروي أن عمر صافحهن عنه وأنه كلف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهن، وذلك ضعيف وإنما ينبغي التعويل على ما روي في ((الصحيح)).


[1] في هامش المخطوط: ((ويحتمل أنها اعتقدت أنه يبايع النساء كمبايعة الرجال فقيل: انتهاء الأمر حين سماعها كلامه ◙ قبضت يدها)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: ويحتمل أنها قبضت يدها عن يد عمر لا الرسول)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: هذا فيه نظر لأن القبض لا يكون إلا بعد البسط)).