إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أول ما بدي به رسول الله الرؤيا

          4953- 4954- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) القرشيُّ المصريُّ، ونسبه لجدِّه لشهرته به، واسمُ أبيه عبدُ الله، وسقط «ابنُ بكيرٍ» لغير أبي ذرٍّ قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بنُ سعدٍ الإمام المصريُّ (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين مصغَّرًا، ابنِ خالدٍ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ.
          قال المؤلِّف: (وَحَدَّثَنِي) بالإفراد، وسقطت «الواو» لغير أبي ذرٍّ (سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ) بكسر العين، أبو عثمان البغداديُّ، نزيل نيسابور قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ) بكسر الراء وسكون الزاي، قال: (أَخْبَرَنَا(1) أَبُو صَالِحٍ) سليمان، ولقبه (سَلَمَوَيْهِ) بفتح السين المهملة / واللام، وسكنها أبو ذرٍّ، ابن صالحٍ اللَّيثي المروزيِّ قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللهِ) بنُ المبارك (عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ) من الزِّيادة، أنَّه (قَالَ(2): أَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ شِهَابٍ) الزُّهريُّ (أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ) بنِ العوَّام (أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلعم ) ♦ (قَالَتْ) واللَّفظ للسَّند الثَّاني: (كَانَ أَوَّلَ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلعم ) زادَ في «بدءِ الوحي»: من الوحي [خ¦3] (الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ) وعائشة لم تدركْ ذلك، فيحملُ على أنَّها سمعتْ ذلك منه صلعم ، ويؤيِّده قولها الآتي إن شاء الله تعالى: فجاءهُ الملكُ فقال: اقرأ... إلى آخره، وفي «باب بدءِ الوحي»: الرُّؤيا الصَّالحة في النَّوم [خ¦3] (فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ) مجيئًا(3) (مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ) عبَّر بهِ؛ لأنَّ شمسَ النُّبوَّة قد كانت مبادئ أنوارهَا الرُّؤيا إلى أن ظهرتْ أشعَّتها وتمَّ نورها (ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلَاءُ) بالمدِّ، أي: الاختلاءِ؛ لأنَّ فيه فراغ(4) القلبِ والانقطاع عن الخلقِ (فَكَانَ يَلْحَقُ) بفتح الحاء المهملة بعد اللام الساكنة آخره قاف، وفي «بدء الوحي»: يخلو [خ¦3] ولابن إسحاق: يجاور (بِغَارِ حِرَاءٍ) بالصَّرف على إرادةِ المكان، جبلٌ على يسارِ الذَّاهب إلى مِنى (فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ) بالمثلثة بعد النون (قَالَ) عروةُ أو مَن دُونه من الرُّواة(5) (وَالتَّحَنُّثُ) هو (التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ) مع أيامهنَّ، واقتصر على اللَّيالي لأنهنَّ أنسبُ للخلوةِ، وزاد عبيد بنُ عميرٍ عند ابنِ إسحاق: فيطعمُ من يَرِدُ عليه من المساكين. وعنده(6) أيضًا أنَّه كان يعتكفُ فيه شهرَ رمضان (قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ) عياله (وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ) التَّعبد أو الخلوة (ثُمَّ يَرْجِعُ‼ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا) بالموحدة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”لمثلِها“ باللام بدل الموحدةِ، والضَّمير للَّيالي، أو الخلوةِ، أو العبادةِ، أو المرَّة(7) السَّابقة، ويحتمل أن يكون المراد أنَّه يتزوَّد لمثلها إذا حال الحولُ، وجاء ذلك الشَّهر الَّذي جرَت عادتهُ أن يخلوَ فيه. قال في «الفتح»: وهذا عندي أظهر(8) (حَتَّى فَجِئَهُ) بكسر الجيم، أي: أتاهُ (الحَقُّ) وهو الوحي مفاجأةً (وَهْوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ) جملة في موضعِ الحال (فَجَاءَهُ المَلَكُ) جبريل (فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَا أَنَا بِقَارِئٍ) «ما» نافية، واسمها «أنا»، وخبرها «بقارئٍ» أي: ما أُحسِنُ أن أقرأَ (قَالَ: فَأَخَذَنِي) جبريلُ (فَغَطَّنِي) أي: ضمَّني وعصرَني (حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُـَهْدَُ) بفتح الجيم والنصب، أي: بلغَ الغطُّ مني الجهد، وبضم الجيم والرفع، أي: بلغ الجهدُ مبلغَه (ثُمَّ أَرْسَلَنِي. فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ(9): مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيِةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُـَهْدَُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي. فَقَالَ: اقْرَأْ. قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُـَهْدَُ) وإنَّما فعل بهِ(10) ذلك ليفرغه عن النَّظر إلى أمرِ الدُّنيا ويُقبل بكلِّيته إلى ما يلقي إليه (ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}) قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: لعلَّ الحكمةَ في تكريرِ الإقراءِ الإشارة إلى انحصارِ الإيمان الَّذي ينشَأ الوحي بسببهِ في ثلاثٍ: القولُ والعملُ والنيَّة، وأنَّ(11) الوحي يشتملُ على ثلاثةٍ(12): التَّوحيد والأحكام والقصص، وفي تكريرِ الغطِّ الإشارة إلى الشَّدائد الثَّلاث الَّتي وقعتْ له ╕ ؛ وهي الحصرُ في الشِّعب، وخروجهِ في الهجرةِ، وما وقع يوم أُحُد. وفي الإرسالاتِ الثَّلاث إلى حصول التَّيسير له عقب الثَّلاث المذكورة ({الَّذِي خَلَقَ}) الخلائق ({خَلَقَ الْإِنسَانَ}) الجنس ({مِنْ عَلَقٍ}) جمع: علقة؛ وهي القطعةُ اليسيرةُ من الدَّم الغليظ ({اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}) الَّذي لا يوازيهِ كريمٌ، ولا يعادلهُ في الكرمِ نظير ({الَّذِي عَلَّمَ}) الخطَّ ({بِالْقَلَمِ}) قال قتادة: القلمُ نعمةٌ من اللهِ ╡ عظيمة(13)، لولا ذلك؛ لم يقم دينٌ، ولم يصلحْ عيشٌ ({عَلَّمَ الْإِنسَانَ}) من العلوم والخطِّ والصِّناعات ({مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق:1-5] الآيات) قبل تعليمهِ _وسقط لأبي ذرٍّ قوله: «{ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}» وقال: ”الآيات إلى قوله: {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}“_ وهي خمسُ آياتٍ، وتاليها(14) إلى آخرها نزل في أبي جهلٍ وضمَّ إليها (فَرَجَعَ بِهَا) أي(15): بالآيات الخمس أو بسببِ تلكَ(16) الضَّغطة(17) (رَسُولُ اللهِ صلعم تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ) جمع: بادرة؛ وهي اللَّحمة التي بين الكتفِ والعُنق تضطَّرب عند الفزعِ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”فؤادهُ“ أي(18): قلبه (حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي) مرَّتين / للحَمُّويي والمُستملي، من التَّزميل وهو التَّلفيف، وطلب ذلك ليسكِّن ما حصلَ له من الرِّعدة من شدَّة هولِ الأمر وثقله (فَزَمَّلُوهُ) بفتح الميم كما أمرهم‼ (حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ) بفتح الراء، أي: الفزعُ (قَالَ لِخَدِيجَةَ: أَيْ خَدِيجَةُ؛ مَا لِي؟ لَقَدْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”قَدْ“ (خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي) أن لا أطيقَ حملَ أعباءِ الوحي لما لقيتهُ عند لقاءِ الملك (فَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ. قَالَتْ خَدِيجَةُ) له ╕ : (كَلَّا) أي: لا خوف عليكَ (أَبْشِرْ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا) بالخاء المعجمة والزاي المكسورة، وفي مرسل عُبيد بن عُمير: أبشر يا ابنَ عمِّ واثْبُت، فوالَّذي نفسي بيدهِ إنِّي لأرجو أن تكونَ نبيَّ هذهِ الأمَّة (فَوَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ) أي: القرابةَ (وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ) بفتح الكاف وتشديد اللام، الضَّعيفُ المنقطعُ واليتيم (وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ) بفتح التاء وكسر السين، تعطِي النَّاس ما لا يجدونهُ عند غيركَ (وَتَقْرِي الضَّيْفَ) بفتح أوَّله من الثُّلاثي (وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ) حوادثِه.
          (فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ) مصاحبةً له (حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ) أي: ابن أسدٍ (وَهْوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي) ولأبي ذرٍّ: ”أخو“(19) (أَبِيهَا) لأنَّه ورقةُ بن نوفلِ بن أسدٍ، وهي خديجةُ بنتُ خويلد بنِ أسد (وَكَانَ) ورقة (امْرَءًا(20) تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العَرَبِيَّ، وَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكْتُبَ) أي: كتابتَه؛ وذلك لتمكُّنه في دينِ النَّصارى ومعرفتهِ بكتابهم (وَكَانَ) ورقة (شَيْخًا كَبِيرًا) حال كونه (قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: يَا عَمِّ) ولأبي ذرٍّ: ”يا ابنَ عمِّ“ (اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ) تعني: النَّبيَّ صلعم ؛ لأنَّ الأب الثَّالث لورقة هو الأخُ للأبِ الرَّابع لرسولِ الله صلعم ، أي: اسمعْ منه الَّذي يقولهُ. (قَالَ) له ╕ (وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي؛ مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صلعم خَبَرَ مَا رَأَى(21). فَقَالَ) له (وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ) أي: جبريل (الَّذِي أُنْزِلَ) بضم الهمزة (عَلَى مُوسَى) وفي روايةِ الزُّبير بن بكارٍ(22): «على عيسى» وقد سبق في «بدءِ الوحي» [خ¦3] مبحث ذلك (لَيْتَنِي) وفي «بدء الوحي»: يا ليتني؛ بأداة النِّداء [خ¦3] (فِيهَا) في مدَّة النُّبوَّة أو الدَّعوة (جَذَعًا) بفتح الجيم والمعجمة، أي: ليتني شابٌّ فيها (لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا. ذَكَرَ) ورقةُ بعد ذلك (حَرْفًا) وهي في الرِّوايةِ الأخرى: «إذ يخرجُكَ قومُكَ» أي: من مكَّة (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ) بفتح الواو وتشديد التَّحتية، و«هم» مبتدأ، و«مخرجيَّ» خبره مقدمًا، وقدَّم الهمزة على العاطف؛ لأنَّ الاستفهام له الصَّدر؛ نحو {أَوَلَمْ (23) يَنظُرُواْ}[الأعراف:185] والاستفهام للإنكارِ، وبقيَّة المباحث سبقت أوَّل الكتابِ (قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ؛ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ) من الوحي (إِلَّا أُوذِيَ) بضم الهمزة وكسر الذال المعجمة، وفي «بدء الوحي»: إلَّا عُودِيَ [خ¦3] (وَإِنْ يُدْرِكْنِي) بالجزم بـ «إن» الشَّرطيَّة (يَوْمُكَ) فاعل «يُدْركني» أي: يوم انتشارِ نبوَّتك (حَيًّا أَنْصُرْكَ) بالجزمِ جواب الشَّرط‼ (نَصْرًا مُؤَزَّرًا) قويًّا بليغًا، صفةً لـ «نصرًا» المنصوب على المصدريَّة (ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ(24) وَرَقَةُ) لم يلبَث (أَنْ تُوُفي، وَفَتَرَ الوَحْيُ) أي: احتبسَ (فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللهِ) وللحَمُّويي: ”النَّبيُّ“ ( صلعم ) زاد(25) في «التَّعبير»(26) من طريق مَعمر، عن الزُّهريِّ فيما بلغنا: حُزْنًا غدا منهُ مِرارًا كي يتردَّى من رؤوسِ شواهقِ الجبالِ، فكلَّما أوفى بذروةِ جبلٍ لكي يلقي منه نفسه تبدَّى له جبريلُ فقال: يا محمَّد، إنَّك رسولُ الله حقًّا، فيسكنُ لذلك جأشهُ وتقرُّ نفسه، فيرجعُ، فإذا طالتْ عليه فترةُ الوحي؛ غدا لمثلِ ذلك، فإذا أوفى بذروةِ جبلٍ تبدَّى له جبريلُ فقال له مثل ذلك [خ¦6982]. وهذه الزِّيادة خاصَّة برواية مَعمر، والقائل فيما بلغنا الزُّهريُّ، وليس موصولًا. نعم، يحتملُ أن يكون بلغهُ بالإسنادِ المذكورِ، وسقط قوله: فيما بلغنا(27) عند ابنِ مَرْدويه في «تفسيره» من طريق محمَّد بنِ كثير عن مَعمر.
          قال الحافظُ ابنُ حجرٍ ☼ : والأوَّل هو المعتمدُ، وقوله: «غدا» _بالغين المعجمة_ من الذَّهاب غدوة، أو _بالعين المهملة_ من العَدْو؛ وهو الذَّهاب بسرعة، وأمَّا إرادته ╕ إلقاءَ نفسهِ من رؤوسِ شواهق الجبالِ فحزنًا على ما فاتَه من الأمر الَّذي بشَّره به ورقة، وحملهُ القاضي عياض(28) على أنَّه لما أخرجه من / تكذيبِ من بلَّغهُ، كقوله(29) تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}[الكهف:6] أو خافَ أنَّ الفترة لأمرٍ أو(30) سببٍ منه، فخشيَ أن يكون عقوبةً من ربِّه ففعل ذلك بنفسهِ، ولم يَرِدْ بعدُ شرع عن ذلك فيعترضُ به.
          وأمَّا ما روى ابنُ إسحاق عن بعضِهم: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال _وذكرَ جواره بحراءٍ_ قال: «فجاءَني وأنا نائمٌ فقال: اقرأ» وذكر نحو حديثِ عائشة ♦ في غطِّه له وإقرائه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}[العلق:1]. قال: فانصرفَ عنِّي وهَبَبْتُ من نَومي كأنَّما صوِّرت في قَلبي، ولم يكنْ أبغضُ إليَّ من شاعرٍ أو مجنونٍ، ثمَّ قلت: لا تَحدَّث(31) عنِّي قريشٌ بهذا أبدًا، لأعمدنَّ إلى حالقٍ من الجبلِ فلأطرحنَّ نفسي منه فلأقتلنَّها.
          فأجاب عنه القاضِي: بأنَّه إنَّما كان قبلَ لقائهِ جبريل وقبل إعلامِ الله له بالنُّبوَّة وإظهارهِ واصطفائهِ بالرِّسالة. نعم، خرَّج الطَّبري من طريقِ النُّعمان بن راشدٍ، عن ابنِ شهاب: أنَّ ذلك بعد لقاءِ جبريل، فذكر نحو حديثَ البابِ، وفيه: فقال: يا محمَّد؛ أنتَ رسولُ اللهِ حقًّا. قال: «فلقد هممتُ أن أطرحَ نفسِي من حالقِ جبل» أي: علوِّه. وأُجيب بأنَّ ذلك لضعفِ قوَّته عن تحمُّل ما حمَّلهُ من أعباءِ النُّبوَّة وخوفًا(32) ممَّا يحصلُ له من القيامِ بها من مباينةِ الخلقِ جميعًا، كما يطلبُ الرَّجل الراحة(33) من غمٍّ يناله في العاجلِ ما يكونُ فيهِ زواله‼ عنه، ولو أفضَى إلى إهلاكِ نفسهِ عاجلًا.
          (قَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ شِهَابٍ) الزُّهريُّ بالإسنادِ الأوَّل من السَّندين المذكورينِ أوَّل هذا الباب: (فَأَخْبَرَنِي) بالإفراد عروةُ بما(34) سبقَ، وأخبرني (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بنِ عوفٍ، وسقط «ابنُ عبدِ الرَّحمن» لغير أبي ذرٍّ (أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيَّ ☻ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ) ولم يدركْ(35) جابرٌ زمانَ القصَّة، وهو محمولٌ على أن يكون سمعهُ من النَّبيِّ صلعم (قَالَ فِي حَدِيثِهِ: بَيْنَا) بغير ميم (أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ) وفي «بدءِ الوحي»: إذ سمعتُ [خ¦4] (صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”رأسِي“ (فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ) هو جبريل ◙ (جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) و«جالس» رفع خبر عن «الملك» (فَفَرِقْتُ) بكسر الراء وسكون القاف، أي: خفتُ (مِنْهُ فَرَجَعْتُ) إلى أهلي بسببِ الفَرَق (فَقُلْتُ) لهم: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي) مرَّتين (فَدَثَّرُوهُ) بالهاء (فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}) عن النَّجاسة أو قصرها ({وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}[المدثر:1-5]) دُمْ على هجرهَا.
          (قَالَ أَبُو سَلَمَةَ) بن عبدِ الرَّحمن _بالسَّند السَّابق_: (وَ) الرِّجز (هْيَ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ(36)، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ الوَحْيُ) وأنَّث ضمير الرِّجز بقولهِ: «وهي» اعتبارًا بالجنس(37).


[1] في (م) و(د): «حدثنا».
[2] قوله: «قال»: ليست في (د).
[3] قوله: «مجيئًا»: ليست في (د).
[4] في (د): «إفراغ».
[5] في (ص): «الرواية».
[6] في (د): «وعنه».
[7] في (ص): «للمرة».
[8] في (ج) و(د) و(ص) و(م): «أشهر».
[9] في (د) و(ص): «فقلت».
[10] «به»: ليست في (د).
[11] في (د): «أو أن».
[12] في (د): «ثلاث»، كذا في «الفتح».
[13] قوله: «عظيمة»: ليست في (د).
[14] في (د): «وتلاها».
[15] «أي»: ليست في (د).
[16] في (د): «أو بتلك».
[17] في (س): «الغطة».
[18] «أي»: ليست في (ص) و(م) و(د).
[19] قوله: «ولأبي ذر أخو»: ليست في (د).
[20] في (د): «امرأ ورقة».
[21] في (ص): «أرى».
[22] في (د): «جابر».
[23] في (د): «أفلم».
[24] في (م): «يلبث».
[25] في (د): «وزاد».
[26] في (م): «التفسير».
[27] في (ص) زيادة: «غدا».
[28] قوله: «عياض»: ليست في (ب).
[29] في (د): «من قوله».
[30] في (د): «و».
[31] في (د): «يتحدث».
[32] في (د) زيادة: «له».
[33] في الأصول: «إلى أخيه» وهو تصحيف.
[34] في (م): «مما».
[35] في (م) و(د): «يذكر».
[36] في (س): «(يعبدونـ)ـها».
[37] في (د): «باعتبار الجنس».