إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}

          ░2▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين، أي: في(1) (قَوْلِهِ) تعالى(2): ({لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[الفتح:2]) أي: جميعُ ما فرطَ منك ممَّا يصحُّ أن تعاتبَ عليه، واللَّام في {لِيَغْفِرَ} متعلِّقٌ بـ {فَتَحْنَا} وهي لام العلَّة. وقال الزَّمخشريُّ: فإن قلتَ: كيف جُعِل فتح مكَّة علَّةً للمغفرةِ؟ قلتُ: لم يجعَلْ علَّة للمغفرةِ، ولكن لاجتماعِ ما عدَّد من الأمورِ الأربعةِ: وهي المغفرةُ، وإتمامُ النِّعمةِ، وهدايةُ الصِّراطِ المستقيمِ، والنَّصرِ العزيزِ، كأنَّه قال: يسرنَا لكَ فتح مكَّة، ونصرناكَ على عدوِّكَ لنجمعَ لك بين عزِّ الدَّارينِ، وأغراضِ العاجلِ والآجلِ، ويجوزُ أن يكون فتحُ مكَّة من حيث إنَّه جهادٌ للعدوِّ سببًا للمغفرةِ والثَّواب. انتهى. قال السَّمين: وهذا الَّذي قاله مخالفٌ لظاهر الآية؛ فإن اللَّام داخلةٌ على المغفرةِ فتكون المغفرةُ علَّةً للفتحِ، والفتح معلَّل بها، فكان ينبغي أن يقول: كيف جُعلَ فتح مكَّة معلَّلًا بالمغفرةِ؟ ثمَّ يقول: لم يُجعَل معلَّلًا. وقال ابنُ عطيَّة: أي: أنَّ الله فتحَ لك لكي يجعل الفتحَ علامةً لغفرانهِ لك، فكأنَّها لام الصَّيرورة، وهو كلامٌ ماشٍ على الظَّاهر ({وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ}) بإعلاء(3) الدِّين وإخلاءِ الأرضِ من معانديكَ ({وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}[الفتح:2]) بما يشرعه(4) لك من الشَّرع العظيمِ، والدِّين القويم، وسقطَ لأبي ذرٍّ قوله: «{مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ}(5)...» إلى آخره، وقال بعد {لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ}: ”الآيةَ“.


[1] قوله: «أي في»: ليس في (س) و(ص).
[2] قوله: «تعالى»: ليس في (س).
[3] في (ب): «بإعلام».
[4] في (ب): «شرعه».
[5] في (س) زيادة: «{ وَمَا تَأَخَّرَ}».