إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

[غريب آيات سورة ص]

          ({عُجَابٌ}[ص:5]) أي: (عَجِيبٌ) وذلك أنَّ التَّفرُّد بالألوهيَّةِ خلاف ما عليه آباؤُهم مطلقًا وتصوروهُ من أنَّ الإلهَ الواحدَ لا يسع الخلقَ كلَّهم.
          (القِطُّ) في قولهِ تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا}[ص:16] هو (الصَّحِيفَةُ) مطلقًا؛ لأنَّها قطعةٌ من القرطاسِ، من قطَّه إذا قطعهُ، لكنَّه (هُوَ هَهُنَا(1) صَحِيفَةُ الحَسَنَاتِ) قال سعيد بنُ جبيرٍ: يعنونَ حظَّنا ونصيبنَا من الجنَّة الَّتي تقول. ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ(2): ”صحيفَةُ الحِسَابِ“ بالموحدة آخره بدل الفوقية وإسقاط النون وكسر المهملة، أي: عجِّل لنا كتابَنا في الدُّنيا قبلَ يوم الحسابِ، قالوه على سبيلِ الاستهزاءِ لعنهم اللهُ، وعند عبد بنِ حميدٍ من طريق عطاء: أنَّ قائل ذلك هو النَّضر بن / الحارثِ. وفيه تفسيرٌ آخر يأتي(3) قريبًا إن شاء الله تعالى.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ الفِريابيُّ من طريق ابنِ أبي نجيحٍ عنه: ({فِي عِزَّةٍ}[ص:2]) أي: (مُعَازِّينَ) بضم الميم وبعد العين ألف فزاي مشدَّدة، وقال غيرُه: في استكبارٍ عن الحقِّ، أي: ما كفرَ من كفرَ به لخللٍ وجدهُ فيه بل كفرُوا به استكبارًا وحميَّة جاهلية.
          ({ الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ}) في قولهِ: {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ}[ص:7] هي (مِلَّةُ قُرَيْشٍ) الَّتي كانت عليها آباؤهم أو دين النَّصرانيَّة‼، و{ فِي الْمِلَّةِ} متعلِّقٌ بـ {سَمِعْنَا} أي: لم نسمَعْ في الملَّة الآخرةِ بهذا الَّذي جئت به، أو بمحذوفٍ على أنَّه حال من هذا، أي: ما سمعنا بهذا كائنًا في الملَّةِ الآخرة، أي: لم نسمَع من الكهَّانِ، ولا من أهلِ الكتبِ أنَّه يحدثُ توحيدُ الله في الملَّة الآخرة، وهذا من فرط كذبِهم.
          (الاِخْتِلَاقُ) في قولهِ: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ}[ص:7] هو (الكَذِبُ) المختلقُ.
          ({الْأَسْبَابِ}) في قولهِ تعالى: {فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ}[ص:10] هي (طُرُقُ السَّمَاءِ فِي أَبْوَابِهَا) قاله مجاهدٌ، وكلُّ ما يوصلكَ إلى شيءٍ من بابٍ أو طريقٍ فهو سببهُ(4)، وهذا أمر توبيخٍ وتعجيزٍ، أي: إن ادَّعوا أنَّ عندهُم خزائنَ رحمةِ ربِّك أولهم ملك السَّموات والأرضِ وما بينهما، فليصعدُوا في الأسبابِ الَّتي توصلهم إلى السَّماء فليأتوا منها بالوحيِ إلى من يختارونَ، وهذا في غايةِ التَّهكُّم بهم.
          ({جُندٌ}) ولأبي ذرٍّ: ”قوله: {جُندٌ}“ ({مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ}[ص:11]) قاله مجاهدٌ أيضًا فيما وصلهُ الفِريابيُّ: (يَعْنِي: قُرَيْشًا) و{هُنَالِكَ} مشارٌ به إلى موضعِ التَّقاولِ والمحاورةِ بالكلمات السَّابقة، وهو مكَّة، أي: سيهزمونَ بمكَّة، وهو إخبارٌ بالغيبِ، وصحَّح الإمام فخر الدِّين كون ذلك في فتح مكَّة، قال: لأنَّ المعنى أنَّهم جندٌ سيصيرونَ مُنْهزمين في الموضعِ الَّذي ذكروا فيه هذه الكلمات. انتهى. وهذا معارضٌ بما أخرجه الطَّبريُّ من طريق سعيد، عن قتادةَ، قال: وعدهُ الله _وهو بمكَّة_ أنَّه سيهزمُ جندَ المشركين، فجاء تأويلها ببدرٍ. و{هُنَالِكَ} إشارةٌ إلى بدرٍ ومصارعهم، وسقطَ من قوله: «{جُندٌ}...» إلى آخر قوله «قُريشًا» لأبي ذرٍّ(5).
          ({أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ}[ص:13]) أي: (القُرُونُ المَاضِيَةُ) قاله مجاهدٌ أيضًا، أي: كانوا أكثر منكُم وأشدَّ قوَّةً وأكثرَ أموالًا وأولادًا، فما دفع ذلك عنهم من عذابِ الله من شيءٍ لمَّا جاء أمرُ الله.
          (فَوَاقٌ) بالرَّفع لأبي ذرٍّ، أي: (رُجُوعٌ) هو من أفاقَ المريضُ إذا رجع إلى صحَّته(6)، وإفاقةُ النَّاقةِ ساعة يرجع اللَّبنُ إلى ضَرْعِها، يريد قولَه تعالى: {وَمَا يَنظُرُ هَؤُلَاء إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ}[ص:15] ولغير أبي ذرٍّ: ”{فَوَاقٍ} رجُوعٍ“ بجرِّهما، وقرأ حمزةُ والكِسائيُّ: { فَوَاقٍ} بضم الفاء، وهما لغتان بمعنًى واحدٍ، وهما الزَّمان الَّذي بين حلبتي الحالبِ.
          ({قِطَّنَا}[ص:16]) أي: (عَذَابَنَا) قاله مجاهدٌ وغيره ({أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا}[ص:63]) بضم السين، وهي قراءة نافعٍ والكِسائيُّ، أي: (أَحَطْنَا بِهِمْ) من الإحاطةِ، وقال الدِّمياطيُّ في «حواشيه»: لعلَّه أخطأنَاهُم(7) وحذف مع ذلك القول الَّذي هذا(8) تفسيره، وهو {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ}[ص:63]. انتهى. وعند ابنِ أبي حاتمٍ من طريق مجاهدٍ: أخطأنَاهم(9)‼ أم هم في النَّارِ لا يعلم مكانَهم. وقال ابنُ عطيَّة: المعنى ليسوا(10) معنا أم هم معنا لكن أبصارنا تميلُ عنهم. وقال ابنُ كيسانَ: أم كانوا خيرًا منَّا ونحن لا نعلمُ؟ فكأنَّ أبصارنا تزيغُ عنهم في الدُّنيا فلا نعدُّهم شيئًا.
          ({أَتْرَابٌ}) في قولهِ تعالى: {وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ}[ص:52] أي(11) (أَمْثَالٌ) على سنٍّ واحدٍ، قيل: بنات ثلاث وثلاثين سنة، واحدها: تِرْب، وقيل: متواخياتٌ لا يتباغضنَ ولا يتغايرنَ.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) فيما وصلهُ الطَّبريُّ: (الأَيْدُ) بالرفع في قولهِ تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}[ص:45] هو (القُوَّةُ فِي العِبَادَةِ) والعامَّة على ثبوتِ الياء في «الأيدي»، جمع: يَد، وهي إمَّا الجارحة وكنَّى بها عن الأعمالِ؛ لأنَّ أكثر الأعمالِ إنَّما تزاول باليدِ، أو المراد النِّعمة، وقرئ: { الْأَيْدِ} بغير ياء اجتزاءً عنها بالكسرةِ.
          ({ وَالْأَبْصَارِ}) هو (البَصَرُ فِي أَمْرِ اللهِ) قاله ابنُ عبَّاس أيضًا.
          ({حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي}[ص:32]) أي: (مِنْ ذِكْرِ) ربِّي، فـ {عَن} بمعنى: من، و{ الْخَيْرِ}: المالُ الكثير، والمراد به: الخيلُ الَّتي شغلتهُ، والراء تعاقب اللَّام، ويحتملُ أنَّه سمَّاها خيرًا لتعلُّق الخيرِ بها، قال صلعم : «الخَيلُ معقودٌ بنَواصِيها(12) الخيرُ إلى يوم / القيامةِ الأجرُ والمغنمُ» [خ¦2852] وروى ابنُ أبي حاتمٍ، عن إبراهيمَ التَّيميِّ قال: كانت الخيلُ التي شغلتْ سليمان ◙ عن صلاة العصرِ عشرين ألف فرسخٍ(13) فعقرها(14).
          (طَفِقَ {مَسْحًا}) في قولهِ تعالى: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ}[ص:33] أي: (يَمْسَحُ أَعْرَافَ الخَيْلِ وَعَرَاقِيبَهَا) حبالها، و{مَسْحًا} نصب بفعلٍ مقدَّر هو خبر طَفِقَ، أي: طفق يمسحُ مَسْحًا.
          ({ الْأَصْفَادِ}[ص:38]) أي: (الوَثَاقِ) وسقط هذا لأبي ذرٍّ.


[1] في (م): «هنا».
[2] في (ص): «للكُشمِيهنيِّ».
[3] في (م) و(د): «سيأتي».
[4] في (د): «سبب».
[5] قوله: «وسقط من... لأبي ذر»: ليس في (د).
[6] في (ب) و(د) و(م): «في الصحة».
[7] في (د): «أحطناهم»، وهو موافق لما في «العمدة»؛ يحرَّر.
[8] في (د): «هو».
[9] في (ص): «أحطناهم».
[10] في (ص): «ليس».
[11] «أي»: ليس في (ص) و(م).
[12] في (ب) و(س): «في نواصيها» وكذا في الصحيح.
[13] كذا في (ص)، ولعلَّ الصَّواب: «فرس» كما في المصادر؛ يحرَّر.
[14] قوله: «وروى ابنُ أبي حاتمٍ... فرسخٍ فعقرها»: ليس في (س) و(د).