إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت

          4779- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بنُ عُيينةَ (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبدِ اللهِ بنِ ذكوانَ (عَنِ الأَعْرَجِ) عبدِ الرحمن بنِ هُرمزٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ) أنَّه (قَالَ: قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) ولأبي ذرٍّ: ”╡“ بدل ”تبارك وتعالى“: (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ) قال في «شرح المشكاة»: «ما»: هنا إمَّا موصولةٌ أو موصوفة، و«عينٌ» وقعت في سياق النفي، فأفاد / الاستغراق، والمعنى: ما رأت العيون كلُّهُنَّ(1) ولا(2) عين واحدة منهُنَّ، والأسلوب من باب قوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}[غافر:18] فيَحتملُ نَفْيَ الرؤية والعين معًا، أو نفي الرؤية فحسب، أي: لا رؤية ولا عين، أو لا رؤية، وعلى الأوَّل الغرضُ منه نفي العين، وإنَّما ضمَّت إليه الرؤية؛ ليؤذن بأنَّ انتفاء الموصوف أمرٌ محقَّقٌ لا نزاع فيه، وبلغ في تحقُّقه إلى أن صار كالشاهد على نفي الصفة وعكسه، ومثلُه قوله: (وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) مِن باب قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ}[غافر:52] أي: لا قلب ولا خطور، أو لا خطور(3)، فعلى الأوَّل ليس لهم قلب يخطر، فجعل انتفاء الصفة دليلًا على انتفاء الذات، أي: إذا لم تحصل ثمرة القلب وهو الإخطار؛ فلا قلب، كقوله(4) تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}[ق:37] وخصَّ البشر هنا دون القرينتين السابقتين‼؛ لأنَّهم الذين ينتفعون بما أُعِدَّ لهم، ويهتمون لشأنه(5) ببالهم، بخلاف الملائكة (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَؤُوْا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ}[السجدة:17]) والحديث كالتفصيل لهذه الآية؛ لأنَّها نفتِ العلم، وهو نفي طرق حُصوله، وقد ذكره المصنِّف في «صفة الجنة» من «كتاب بدء الخلق» [خ¦3244].
          (وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو موصولٌ كسابقه، وللأصيليِّ وابن عساكر: ”قال عليٌّ _يعني(6): ابنَ المدينيِّ_: وحدَّثنا سفيان“؛ ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا عليٌّ قال: حدَّثنا سفيان“ يعني: ابن عُيينة قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) عبد الله (عَنِ الأَعْرَجِ) عبدِ الرحمن (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ أنَّه (قَالَ: قَالَ اللهُ... مِثْلَهُ) أي: مثل ما في الحديث السابق.
          (قِيلَ(7) لِسُفْيَانَ) بنِ عُيينة: (رِوَايَةً)؟ أي: تروي روايةً عنِ النَّبيِّ صلعم أم(8) من(9) اجتهادك؟(قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ) لولا الروايةُ كنت أقولُ؟ (قَالَ) ولأبي ذرٍّ وابن عساكر(10): ”وقال“ (أَبُو مُعَاوِيَةَ) محمَّد بن خازم الضرير، فيما وصله أبو عُبيد القاسمُ بنُ سلَّام في «فضائل القرآن» له: (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمانَ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوانَ السَّمَّان أنَّه قال: (قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ▬قُرَّاتِ↨) جمعًا بالألف والتاء؛ لاختلاف أنواعها، وهي قراءةُ الأعمش، والقُرَّة: مصدرٌ، وحقُّه ألَّا يجمع؛ لأنَّ المصدر اسمُ جنسٍ، والأجناسُ أبعدُ شيءٍ عن الجمعية، لكن جعلت القُرَّةُ هنا نوعًا، فجاز جمعُها، كقوله: «هناك أحزان»، وحسَّنَ لفظ الجمع إضافةُ القُرَّات إلى لفظ الأعين، ولأبي ذرٍّ والأصيليِّ وابن عساكر زيادة: ”أعين“.


[1] في (م): «كلها».
[2] لعلَّ الأولى: «لا» بدون واو.
[3] «أو لا خطور»: ليس في (ص).
[4] في (د): «لقوله».
[5] في (د): «بشأنه» كذا في شرح المشكاة للطيبي.
[6] «يعني»: ليس في (م).
[7] في (م): «فقيل».
[8] في (د): «أو»، وزيد في (م): «هي».
[9] في (د) و(ص) و(م): «عن».
[10] «قال ولأبي ذرٍّ وابن عساكر»: سقط من (د).