إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي هريرة: ما من مولود إلا يولد على الفطرة

          4775- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو لقب عبد الله بن عثمانَ المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بنُ المبارك قال: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ) بنُ يزيدَ الأيليُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّدِ بنِ مسلمِ ابنِ شهابٍ أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن عوف (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ) قيل: يعني العهد الذي أخذه عليهم بقوله: {أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى}[الأعراف:172] وكلُّ مولودٍ في العالم على ذلك الإقرار، وهي الحنيفيَّة التي وقعت الخِلْقَةُ(1) عليها وإن عَبَدَ غيرَه، ولكن لا عبرَة بالإيمان الفِطريِّ، إنَّما المعتَبرُ الإيمانُ الشرعيُّ المأمورُ به، وقال ابن المبارك: معنى الحديث: أنَّ كلَّ مولودٍ يُولدُ على فِطرتِه، أي: خِلْقَتِه التي جُبِلَ عليها في عِلم الله من السعادة والشقاوة، فكلٌّ منهم صائرٌ في العاقبة إلى ما فُطِرَ عليها، وعاملٌ في الدنيا بالعمل المشاكِلِ لها، فمِن أماراتِ الشقاء أن يولَدَ بين يهوديين أو نصرانيين أو مجوسيين، فيحملانِهِ لشقائه على اعتقاد دينهما، وقيل: المعنى: أنَّ كلَّ مولود يُولد في مبدأ الخِلْقَةِ(2) على الجِبِلَّة السليمة والطبع المتهيئ لقبول(3) الدين، فلو تُرِكَ عليها لاستمرَّ على لزومها، لكن يطرأ(4) على بعضهم الأديان الفاسدة، كما قال: (فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه على صيغة المبنيِّ للمفعول، أي: تلد (البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ) بفتح الجيم وسكون الميم ممدودًا؛ تامَّة الأعضاء (هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ)؟ بفتح الجيم وسكون المهملة ممدودًا؛ مقطوعة الأذن أو الأنف، أي: لا جدع فيها من أصل الخلقة، إنَّما يجدُعها أهلُها بعد ذلك، فكذلك(5) المولود يُولَد على الفطرة ثم يتغيَّرُ بعد، ونقل في «المصابيح» عن القاضي أبي بكر ابن العربيِّ: أنَّ معنى قوله: «فأبواه...» إلى آخره، أنَّه مُلحَقٌ بهما في الأحكام؛ من تحريم الصلاة عليه، ومِن ضرب الجزية عليه، إلى غير ذلك، ولولا أنَّه وُلِدَ على فراشهما لمنع من ذلك كله، قال: ولم يرد أنَّهما يجعلانه يهوديًّا أو نصرانيًّا؛ إذ لا قدرةَ لهما على(6) أن يفعلا فيه الاعتقاد أصلًا. انتهى. فليتأمَّل.
          (ثُمَّ يَقُولُ) أي(7): أبو هريرة مستشهدًا لما ذكر: ({فِطْرَةَ اللهِ}) أي: خلقته(8) نُصِبَ على الإغراء ({الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}) أي: خلقهم عليها، وهي قبولهم للحقِّ ({ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ}) أي: ما ينبغي أن يُبدَّل، أو خبرٌ‼ بمعنى النهي ({ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[الروم:30]) الذي لا عِوَجَ فيه.
          وهذا الحديث سبق في: «باب إذا أسلم الصبي فمات، هل يُصلَّى عليه؟» من «كتاب الجنائز» [خ¦1358].


[1] في (م): «الخليقة».
[2] في (ب): «الخلق».
[3] في (ص): «لقول».
[4] كذا في (ص) و(م): «يطرأ»، وفي (ب) و(س): «تطرأ».
[5] في (ص): «فلذلك».
[6] «على»: ليس في (د).
[7] «أي»: ليس في (د).
[8] «أي: خلقته»: ليس في (ص).