إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

و {أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي}

          ░2▒ (وَ{أَوْحَيْنَا}) ولأبي ذرٍّ: ”بابٌ“ بالتنوين ”{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا}“ ({ إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي}) أي: أسرِ(1) بهم في الليل مِن أرض مصرَ ({فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ}) {طَرِيقًا} نُصِبَ مفعولٌ به، وذلك على سبيل المجاز؛ وهو أنَّ الطريقَ مُتَسَبِّبٌ عن ضربِ البحرِ؛ إذِ المعنى: اضربِ البحرَ لينفلِقَ لهم(2) فيصيرَ طريقًا، فبذا صحَّ نسبةُ الضَّرْبِ إلى الطريق، أو المعنى: اجعلْ لهم طريقًا، وقيل: هو نصبٌ على الظرفِ، قال أبو البقاء أي: موضعَ طريقٍ، فهو مفعولٌ فيه ({يَبَسًا}) ليس فيه(3) ماءٌ ولا طينٌ ({لَّا تَخَافُ دَرَكًا}) أي(4): أن يدرِكَكَ فرعونُ مِن ورائِكَ ({وَلَا تَخْشَى}) أنْ يغرِقَكَ البحرُ أمامَكَ ({فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ}) أي: فأتبعهم فرعونُ نفسَه ومعه جنودُه، فحَذَفَ المفعولَ الثاني، والباءُ للتعدية، أو زائدة في المفعول الثاني، أي: فأتبعهم فرعونُ وجنوده ({فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}) هو مِن باب الاختصار وجوامع الكَلِم التي يَقِلُّ لفظُها ويَكْثُرُ معناها، أي: فغشيَهُم ما لا يَعْلَمُ كُنْهَهُ إلَّا الله، والضميرُ في غَشِيَهُم لجنودِه أو له ولهم، والفاعلُ هو اللهُ تعالى، أو ما غشيهم، أو فرعونُ؛ لأنَّه الذي ورَّطهم للهلاك ({وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ}) في الدَّين(5) ({وَمَا هَدَى}[طه:77-79]) وهو تكذيبٌ له في قوله: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29] أو(6) أضلهم في البحر وما نجا، وسقط قوله: «{لَّا تَخَافُ}...» إلى آخره لأبي ذرٍّ، وقال بعد قوله: {يَبَسًا}: ”إلى قوله: {وَمَا هَدَى}“.


[1] في (م): «سر».
[2] في (م): «بهم».
[3] في (د): «فيها»، والطريق مؤنث مجازي، فيجوز فيه الوجهان.
[4] «أي»: مثبتٌ من (د).
[5] «في الدين»: ليس في (د) و(م).
[6] في غير (د) و(س): «و».