الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب جلود الميتة قبل أن تدبغ

          ░101▒ (بابُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ) أي: بابُ بيانِ حُكمِها (قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ) أو التقديرُ: هل يصحُّ بيعُها أم لا، وتقديرُ الحُكمِ أولى؛ لأنَّه أعمُّ، والحديثُ كذلك، بل يشملُ ما قبل الدَّبغِ، واقتصرَ المصنِّفُ على ما قبلَ الدَّبغِ لأنَّه محلُّ الخلافِ، وإلا فما بعدَه أولى كما لا يخفَى، و((تُدبَغَ)) بالفوقية أوله والغين المعجمة آخره، مبنيٌّ للمفعولِ، والدَّبغُ: نزعُ فُضولِ الجلدِ مما يعفِّنُه من دمٍ ونحوِه بشيءٍ حرِّيفٍ كعَفْصٍ وشبٍّ ونحوِهما، فلا يكفي تجفيفُه بحرِّ الشَّمسِ، خِلافاً للحنابِلةِ، و((الميتة)) هي: الزَّائلةُ الحياةِ بغيرِ ذكاةٍ شرعيَّةٍ، فيدخُلُ فيها مذبوحُ نحوِ وثنيٍّ، وما ذُبحَ على اسمِ غيرِ اللهِ تعالى.
          قال في ((المصباح)): ((الميتةُ من الحيوانِ، جمعُها: مَيْتاتٌ، وأصلُها: ميِّتةٌ _بالتشديد_، قيل: والتُزمَ التَّشديدُ في ميتةِ الأناسيِّ، والتَّحقيقُ في غيرِ الأناسيِّ فَرقاً بينهما))، وقال أيضاً: ((قال بعضُهم: يقالُ في الحيِّ: ميِّتٌ _بالتثقيل_ لا غيرُ، وعليه قولُه تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] أي: سيَموتون))، انتهى ملخَّصاً.
          والمشهورُ أنَّ المثقَّلَ والمخفَّفَ للميِّتِ بالفعلِ، ففي ((القاموس)): ((مات يَموتُ ويَماتُ ويَميتُ، فهو ميْتٌ وميِّتٌ، ضدُّ حيَّ، وماتَ: سكَنَ ونام والميْتُ _مخفَّفةً_: الذي مات، والميِّتُ والمائتُ: الذي لم يمُتْ بعدُ))، انتهى، فتأمَّلْه.
          وعلى هذا أنشَدَ أبو عَمرٍو:
تُسائلُني تفسيرَ مَيْتٍ وميِّتٍ                     فدُونَك قَد فسَّرتُ إنْ كنْتَ تَعقِلُ
فمَنْ كَانَ ذَا رُوحٍ فذَلِكَ مَيِّتٌ                     ومَا المَيْتُ إلَّا مَن إِلى القَبرِ يُحمَلُ