الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

           ░85▒ (بَابُ بَيْعِ الثِّمَارِ): أي: بيانِ حُكمها، وهي بمثلَّثةٍ مكسورةٍ، جمعُ ثمرٍ، قال في ((المصباحِ)): الثَّمَرُ بفتحتَين والثَّمَرةُ مثلُه، فالأوَّلُ مذكَّرٌ ويُجمع على ثِمارٍ كجِبالٍ، ثم تُجمَع الثِّمارُ على ثُمُرٍ ككُتُبٍ، ثمَّ يُجمَع على أَثْمَارٍ كعُنُقٍ وأَعْنَاقٍ، والثَّاني مؤنَّثٌ والجمعُ ثَمَراتٍ كقَصَباتٍ، والثَّمَرُ: هو الحملُ الذي يُخرجُه الشَّجرُ، سواءٌ أُكِل أم لا، وقالَ في ((الفتح)): الثِّمارُ بالمثلَّثةِ جمعُ ثَمَرَةٍ بالتَّحريك، وهي أعمُّ من الرُّطَبِ وغيره.
          وفي ((القاموس)): الثَّمَرُ محرَّكة: حملُ الشَّجرِ وأنواعُ المالِ، كالثَّمَار كسَحَابٍ، الواحدةُ ثَمَرةٌ وثَمُرَةٌ كسَمُرَةٍ، والجمعُ ثِمَارٌ، وجمعُ الجمعِ ثُمُرٌ، وجمعُ جمعِ الجمعِ أَثْمَارٌ، والفضةُ والذهبُ.
          وقوله: (قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا): متعلِّقٌ بـ((بيع)) أو حالٌ من ((الثِّمار))، و((يبدو)) بغير همزٍ؛ أي: يظهرُ، و((صَلاحُها)) بفتح الصَّاد مصدرٌ، ففي ((المصباح)): صَلَح الشَّيءُ صُلُوحاً من بابِ قَعَد وصَلاحاً أيضاً، وصَلُح بالضمِّ لغةٌ، وصَلَح يَصْلَحُ بفتحتَين لغةٌ ثالثةٌ، فهو صالحٌ، انتهى، والصَّلاحُ: ضدُّ الفسادِ، وصلاحُ الشَّيءِ: صيرورتُه إلى الصِّفةِ التي تُطلَبُ فيه غالباً، ففي الثِّمارِ ظهورُ مبادئ النُّضجِ والحلاوةِ بأن يتموَّه، ويلينُ بجريانِ الماءِ فيها فيما لا يتلوَّنُ، وأمَّا ما يتلوَّنُ فكأنْ يأخذُ في الحُمرةِ أو السَّوادِ أو الصُّفرةِ، وفي نحو القثَّاءِ بأن يصلحَ للأكلِ، وفي الحبوبِ باشتدادِها، وفي ورقِ التُّوتِ بتناهيه، ويكفي بدوُّ صلاحِ البعضِ إذا اتَّحد العقدُ والبستانُ والجنسُ وإن اختلفت أنواعُه، وقال الكرمانيُّ: وقيل: بدوُّ الصَّلاحِ بطلوعِ الثُّريَّا، وهما متلازمان غالباً، انتهى، وإنَّما اكتفى ببدوِّ صلاحِ بعضه ولو حبَّةٍ بشرطه السَّابقِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى امتنَّ علينا بطيبِ الثِّمارِ على التَّدريجِ ليطولَ زمنُ التفكُّه، فلو اشترطَ طيبَ الكلِّ لأدَّى إلى حرجٍ شديدٍ.
          تنبيه: قال في ((الفتحِ)) وغيره: ولم يجزمْ المصنِّفُ بالحُكم لقوَّةِ الخلافِ فيه، فقيل: يبطلُ مطلقاً، وهو قولُ ابنِ أبي ليلى والثَّوريِّ، ووَهِم من نقلَ الإجماعَ على البطلانِ، وقيل: يجوزُ مطلقاً ولو بشرطِ التَّبقيةِ، وهو قولُ يزيدَ بنِ أبي حبيبٍ، ووهمَ مَن نقلَ الإجماعَ فيه أيضاً، وقيل: إنْ شرطَ القطعَ صحَّ إن كان الذي يقطعُ منتفعاً به كالحصرمِ وإلَّا بطلَ، وهو قولُ الشَّافعيِّ وأحمدَ والجمهورُ وروايةٌ عن مالكٍ، وقيل: يصحُّ إن لم يشترط التَّبقيةَ، والنَّهي محمولٌ على بيعِ الثِّمارِ قبل وجودها أصلاً إن شرطَ الإبقاءَ ولو بعد بدوِّ الصَّلاحِ، خلافاً لِما نقله عنهم النَّوويُّ في ((شرحِ مسلمٍ)) / من التَّفصيلِ، وسيأتي لذلك تتمَّةٌ، وهو قولُ أكثرِ الحنفيَّة، وقيل: هو على ظاهرِه، لكنَّ النَّهيَ فيه للتَّنزيه.