الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا

          ░44▒ (بَابٌ) بالتنوين (البَيِّعَانِ) بكسر المثناة التحتية المشددة؛ أي: المتبايِعان (بِالخِيَارِ) أي: خيارِ المجلسِ (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) أي: من مجلِسِ العقدِ (وَبِهِ) أي: وبخيارِ المتبايعَينِ ما لم يتفرَّقا؛ أي: من مجلسِ العقد.
          (قَالَ ابْنُ عُمَرَ) أي: ابنِ الخطابِ، ومن ثم كانَ _كما مرَّ_ إذا اشترى شيئاً يعجِبُه فارقَ صاحبَه، ووصله الترمذيُّ عن يحيى بنِ سعيدٍ، قال: كان إذا ابتاعَ بيعاً وهو قاعدٌ قامَ؛ ليجِبَ له.
          ولابنِ أبي شَيبةَ عن نافعٍ: كان إذا باعَ انصرفَ؛ ليجِبَ البيعُ.
          ولمسلمٍ عن نافعٍ: كان ابنُ عمرَ إذا بايَعَ رجلاً، فأراد أن لا يُقيلَه، قام فمشى هُنيَّةً، ثمَّ رجعَ إليه.
          ولسعيدِ بنِ منصورٍ عن عبدِ العزيزِ بنِ حكيمٍ، قال: رأيتُ ابنَ عمرَ اشترى من رجلٍ بعيراً، فأخرج ثمنَه، فوضعَه بين يدَيه، فخيَّرَه بين بعيرِه وبين الثمن.
          فهذه الأخبارُ ونحوُها عن ابنِ عمرَ صريحةٌ في أنه كان يرى خيارَ المجلسِ، وأنه لا ينقطِعُ عنده إلا بالتفرُّقِ منه.
          (وَشُرَيْحٌ) بالشين المعجمة والحاء المهملة مصغَّراً، عطفٌ على: ((ابنُ عمرَ)) أي: وبخيارِ المجلسِ قال القاضي شُريحُ بنُ الحارثِ الكِنديُّ الكوفيُّ، أدرك النبيَّ صلعم ولم يلقَه، واستمرَّ قاضياً بالكوفةِ ستِّين سنةً، وقد وصل أثرَه عنه سعيدِ بنِ منصورٍ، عن أبي الضُّحى أنه شهِدَ شُريحاً وقد اختصَمَ إليه رجلان اشترى أحدُهما من الآخر داراً بأربعةِ آلافٍ، فأوجبها له، ثم بدا له في بيعِها قبل أن يفارِقَ صاحبَها، فقال له: لا حاجةَ لي فيها، فقال البائعُ: قد بعتُك، فأوجبتُ لك، فاختصما إلى شُريحٍ، فقال: هو بالخيارِ ما لم يتفرَّقا، وروى ابنُ أبي شيبةَ بسندِه عن شُريحٍ أنه قال: البيِّعانِ بالخيارِ ما لم يتفرَّقا.
          (وَالشَّعْبِيُّ) بفتح الشين المعجمة؛ أي: وبخيارِ البيِّعَين قال الشعبيُّ، وقد وصلَ أثرَه ابنُ أبي شيبةَ، قال: حدَّثنا جريرٌ عن المغيرةِ: أنَّ الشعبيَّ أُتيَ في رجلٍ اشترى من رجلٍ بِرذَوناً، فأراد أن يرُدَّه قبل أن يتفرَّقا، فقضى الشعبيُّ أنه قد وجبَ البيعُ، فشهد عنده أبو الضُّحى أنَّ شُريحاً أُتي في مثلِ ذلك، فرده على البائع، فرجع الشعبيُّ إلى قول شُريحٍ.
          (وَطَاوُسٌ) أي: ابنُ كيسانَ، وصلَ أثرَهُ الشافعيُّ في ((الأم)) عنه بلفظ: ((خيَّرَ رسولُ الله صلعم رجلاً بعد البيع)) وكان طاوسُ يحلِفُ: ما الخيارُ إلَّا بعد البيعِ (وَعَطَاءٌ) بالمدِّ؛ أي: ابنُ أبي رباحٍ (وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) بالميم مصغَّراً، واسمُه: عبدُ الله، وقد وصلَ أثرَيهما عنهما ابنُ أبي شَيبةَ بلفظ: ((البيِّعانِ بالخيارِ حتى يتفرَّقا عن رِضا)).
          قال / في ((الفتح)): ونقل ابنُ المنذرِ القولَ به أيضاً عن سعيدِ بن المسيَّبِ والزُّهريِّ وابنِ أبي ذئبٍ من أهل المدينةِ، وعن الحسنِ البصريِّ والأوزاعيِّ وابنِ جُريجٍ وغيرِهم، قال: وبالغَ ابنُ حزمٍ، فقال: لا نعلمُ لهم مخالفاً من التابعين إلا النخعيَّ وإلا شُريحاً في روايةٍ ضعيفةٍ عنه، رواها سعيدُ بنُ منصورٍ بسندٍ ضعيفٍ إلى شُريحٍ قال: إذا تكلَّمَ الرجلُ بالبيعِ فقد وجبَ البيعُ، والصحيحُ عنه ما مرَّ من القولِ بالخيار.