الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا كان البائع بالخيار هل يجوز البيع؟

          ░46▒ (بَابٌ: إِذَا كَانَ البَائِعُ بِالخِيَارِ) أي: إذا شرطَ البائعُ لنفسِه خيارَ الشَّرطِ من ثلاثةِ أيامٍ عند أبي حنيفةَ والشافعيِّ ومَن وافقَهما، ومن أكثرَ منها عند أحمدَ ومالكٍ ومَن قال بقولِهما (هَلْ يَجُوزُ) أي: هل يصِحُّ هذا (البَيْعُ) أم لا؟ كما قد يقتضيه قولُ مَن خصَّ الخِيارَ بالمشتري، ثم رأيتُ العينيَّ قال في بابِ ما يُكرَهُ من الخِداع: وقال شُبرُمةُ والثوريُّ: لا يجوزُ البيعُ إذا شُرطَ فيه الخيارُ للبائعِ أو لهما، وقال سفيانُ: البيعُ فاسدٌ بذلك، انتهى
          والذي يظهرُ أنَّ البخاريَّ أراد الردَّ على القائلِ بذلك، والذي يدلُّ عليه الحديثُ أنه يصِحُّ البيعُ والشرطُ، ويختصُّ الخيارُ بالبائعِ حينئذٍ، وبذلك صرَّحَ فقهاؤنا، فقالوا: يجوزُ شَرطُ الخِيارِ لهما ولأحدِهما.
          وقال القسطلانيُّ كغيرِه: أي: هل يكونُ العقدُ جائزاً أم لازماً. انتهى، فليُتأمَّلْ.
          وقال شيخُ الإسلام: هل يجوزُ البيعُ _أي: من غير المشتري_ أو لا؟ والمشهورُ: الجوازُ؛ لكَونِ البيعِ غيرَ لازمٍ، انتهى.
          فجعلَ البيعَ في التَّرجمةِ ما يقعُ ثانياً لغيرِ المشتري، وكأنَّ المصنِّفَ _كما في ((الفتح))_ قصدَ الردَّ على مَن خصَّ الخِيارَ بالمشتري دون البائع، فإنَّ الحديثَ سوَّى بينهما في ذلك، ولهذا لم يصرِّحِ المصنِّفُ بالجوابِ اكتِفاءً بما فيه.