الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب بيع السلاح في الفتنة وغيرها

          ░37▒ (باب بَيْعِ) أي: بابُ بيانِ حُكمِ بيعِ (السِّلَاحِ) بكسر السين المهملة، ما يقاتَلُ به في الحرب، والسِّلحُ _كمِلْحٍ_ لغةٌ في السِّلاح، قاله في ((المصباح)).
          (فِي الفِتْنَةِ) أي: في أيامها، متعلِّقٌ بالبيع، والمرادُ بها: ما تقَعُ بين المسلمين، وحكمُ ذلك أنه يكرَهُ بيعُه لمَنْ يُشاكُّ في أمرِه، فإنْ تحقَّقَ الباغيَ، فلا بأسَ بالبيعِ لمَن هو على الحقِّ.
          (وغيرِها) أي: وفي غيرِ أيامِ الفتنةِ، فلا يُكرَهُ حينئذٍ، بل هو مباحٌ وداخلٌ في عمومِ قولِه تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة:275].
          (وَكَرِهَ) بكسر الراء، ويحتملُ فتحَها مشددة (عِمْرانُ بْنُ حُصَيْنٍ) مصغَّراً، ☺، فيما وصلَه ابنُ عَديٍّ في ((كامله)) عنه، ورواه الطَّبرانيُّ في ((الكبير)) بسندٍ ضعيفٍ عن عِمرانَ مرفوعاً.
          (بَيْعَهُ) أي: وهِبتَه بالأَولى؛ أي: بيعَ السِّلاح (فِي الفِتْنَةِ) والمرادُ بالكراهةِ كراهةُ التحريمِ، كبَيعِ العِنبِ ممَّن يتَّخِذُه خمراً، وبيعِ الشَّبكةِ لمَن يصيدُ بها وهو محرِمٌ، أو في الحرَمِ، وكبيع الخشبِ لمَنْ يتَّخِذُ منه آلةَ لهوٍ محرَّمةً، وكبيعِ المرْدِ لمنْ عُرفَ منه الفجورُ بهم، فكلُّ ذلك حرامٌ عند الجمهور لمَن تحقَّقَ أو غلَبَ على ظنِّه، والعقدُ صحيحٌ، أما مع مجرَّدِ التوهُّمِ فيُكرَهُ تنزيهاً؛ لأنَّ النهيَ لأمرٍ خارجٍ عنه غيرُ لازمٍ له.
          وقال في ((الفتح)) نقلاً عن ابن بطَّالٍ: إنَّما كُرهَ بيعُ السِّلاحِ في الفتنة؛ لأنه من بابِ التَّعاونِ على الإثم، ومن ثَمَّ كرِهَ مالكٌ والشافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ بيعَ العِنبِ ممن يتخِذُه خمراً، وذهب مالكٌ إلى فسخِ البيعِ، وكأنَّ المصنِّفَ أشارَ إلى خلافِ الثوريِّ في ذلك حيثُ قال: بِعْ حلالَكَ ممَّن شئتَ، انتهى.
          ومثلُه عند الحنفيَّةِ في بيعِ نحوِ العنبِ لعاصرِ الخمرِ، وأما بيعُ السِّلاحِ لها فحرامٌ عندهم أيضاً، فتأمَّل.