الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ما ذكر في الأسواق

          ░49▒ (بَابُ مَا ذُكِرَ) بضم الذال المعجمة (فِي الأَسْوَاقِ) جمعُ: سوقٍ؛ وهو موضعُ البيعِ والشِّراءِ، وهي مؤنَّثةٌ، وقد تذكَّرُ، قال ابنُ بطَّالٍ: أراد بالتَّرجمةِ إباحةَ المتاجَرةِ في الأسواقِ، ودخولَ الأشرافِ والفُضلاءِ لها.
          وقال في ((الفتح)): كأنه أشار إلى ما لم يثبُتْ على شَرطِه مما أخرجه أحمدُ والبزَّارُ وصحَّحَه الحاكمُ بسندٍ حسَنٍ عن جُبيرِ بنِ مُطعِمٍ: أنَّ النبيَّ صلعم قال: ((أحبُّ البِقاعِ إلى الله المساجدُ، وأبغضُ البقاعِ إلى الله الأسواقُ)) وأخرجَه ابنُ حبَّان والحاكمُ أيضاً عن ابنِ عمرَ بنحوِه، ورواه مسلمٌ بلفظِ: ((أبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها)).
          وعبارةُ ابنِ بطَّالٍ: وكأنه لم يصِحَّ عنده الحديثُ الذي رُوي: ((شرُّ البقاعِ الأسواقُ، وخيرُها المساجدُ)) وهذا إنَّما خرجَ على الأغلب؛ لأنَّ المساجدَ يُذكَرُ فيها اسمُ الله تعالى، والأسواقُ قد غَلبَ عليها اللَّغَطُ واللهوُ والاشتِغالُ بجمعِ المالِ والكلَبُ على الدُّنيا من الوجهِ المباحِ وغيرِه، وأما إذا ذُكرَ اللهُ تعالى في السُّوق، فهو من أفضلِ الأعمال.
          روى محمدُ بنُ واسعٍ أنه قال: سمعتُ سالمَ بنَ عبدِ الله يقول: ((مَن دخلَ السُّوقَ فقال: لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، يُحيي ويميتُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، كتب اللهُ له ألفَ ألفِ حسَنةٍ، ومحا عنه ألفَ ألفِ سيئةٍ، وبنى له بيتاً في الجنَّةِ)).
          وكذلك إذا لغا في المسجدِ أو لغَطَ فيه، أو عصى ربَّه، لم يضُرَّ المسجِدَ، ولا نقَصَ من فضلِه، وإنما أضرَّ بنفسِه وبالغِ في إثمِه، وقد رويَ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ كرَّمَ الله وجهَه أنه قال: مَن عصى اللهَ في المسجِدِ، فكأنما عصاهُ في الجنَّةِ، ومَن عصاه في الحمَّامِ، فكأنَّما عصاهُ في النارِ، ومَن عصاه في المقبَرةِ، فكأنَّما عصاه في عرَصاتِ القيامةِ، ومَن عصاه في البحرِ، فكأنَّما عصاهُ على أكُفِّ الملائكةِ، انتهت.
          (وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) ☺ فيما سبق موصولاً أولَ كتابِ البيوع (لَمَّا) بتشديد الميم (قَدِمْنَا) بكسر الدال / (المَدِينَةَ) أي: مدينةَ رسولِ الله صلعم حين هاجَرْنا من مكةَ إليها (قُلْتُ) جوابُ ((لمَّا)) وسقطَ لأبي ذرٍّ، لكنَّه مقدَّرٌ (هَلْ مِنْ سُوقٍ) ذكرَ السُّوقَ على اللُّغةِ القليلةِ (فِيهِ تِجَارَةٌ؟) بكسر الفوقية، مبتدأٌ مؤخَّرٌ، و((فيه)) خبرٌ مقدَّمٌ، والجملةُ: خبرُ ((سوقٍ)) المجرورِ بـ ((مِن)) الزائدةِ، فتأمَّل.
          (قَالَ) القائل هو: سعدُ بنُ الرَّبيعِ، وفي بعضِ الأصول: <قالوا> ولأبوَي ذرٍّ والوقتِ: <فقال> (سُوقُ قَيْنُقَاعَ) بفتح القافين وسكون التحتية والنون مثلثة، وبالصرفِ وعدَمِه، و((سوقُ)) خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ.
          وفي بعض النُّسَخ: <سوقُ بني قَينُقاعَ> قاله الكرمانيُّ.
          والغرضُ من ذِكرِ هذا الأثرِ المطلَقِ هنا كالأثرَين عقِبَه أنَّ السُّوقَ كان موجوداً في عهدِ النبيِّ صلعم، وكان يتعاهدُه الفُضلاءُ من الصَّحابةِ لتحصيلِ المَعاشِ للعَفافِ والتعفُّفِ عن النَّاس.
          (وَقَالَ أَنَسٌ) أي: ابنُ مالكٍ ☺ مما وصلَه المصنِّفُ هناك (قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) أي: ابنُ عوفٍ (دُلُّونِي) بضم الدال المهملة (عَلَى السُّوقِ) أي: سوقِ المدينة (وَقَالَ عُمَرُ) أي: ابنُ الخطَّابِ ☺ ممَّا وصلَه المصنِّفُ فيما مرَّ في بابِ الخروجِ في التِّجارة (أَلْهَانِي) أي: شغَلَني (الصَّفْقُ) بالصاد، ويقالُ بالسينِ أيضاً؛ أي: البيعُ (بِالأَسْوَاقِ) أي: فيها.