الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع ومن طلب حقًا

           ░16▒ (بَابُ السُّهُولَةِ) بضم السين المهملة، ضدُّ: الصُّعوبة، مصدر: سَهُلَ _ككرُمَ_ سَهالةً، وسهَّلَه تسهيلاً: يسَّرَه، ففي ((المصباح)): سهُلَ الشيءُ _بالضم_ سهولةً، هذه اللغةُ المشهورةُ، قال ابنُ القطَّاع: وقالوا: سهل _بفتح الهاء وكسرها أيضاً_، والفاعلُ: سَهْلٌ، وبه سُمي، وبمصغَّرِه أيضاً، وأرضٌ سَهلةٌ، وقال ابنُ فارسٍ: السَّهلُ: خلافُ الحَزْنِ، وقال الجَوهريُّ: السَّهلُ: خلافُ الجبلِ، والنسبةُ: سُهْليٌّ _بالضم_ على غيرِ قياسٍ، انتهى ما في ((المصباح)) وقال في ((القاموس)): سَهُلَ ككَرُم.
          (وَالسَّمَاحَةِ) بفتح السين المهملة وبالحاء المهملة أيضاً؛ أي: الجودِ والسَّخاء، قال في ((القاموس)): سَمُحَ _ككرُمَ_ سماحةً وسَماحاً وسُموحاً وسُموحةَ وسَمْحاً وسِماحاً _ككِتابٍ_: جادَ وكرُمَ، انتهى.
          وقال في ((مختار الصحاح)): السَّماح: الجُود، وسَمحَ به يسمَحُ _بالفتح فيهما_ سَماحاً وسَماحةً: جاد، وسَمحَ له: أعطاه، وسَمُحَ _من باب: ظرُفَ_: صار سَمْحاً _بسكون الميم_، وقومٌ سُمحاءُ _بوزن: فُقهاءَ_، وامرأةٌ سَمْحةٌ _بسكون الميم_، ونِسوةٌ سِمَاحٌ _بالكسر_، والمسامَحةُ: المساهَلة، وتسامَحوا: تساهَلوا، انتهى.
          أي: بابُ استحبابِ فعلِ السُّهولةِ والسَّماحةِ.
          (فِي الشِّرَاءِ وَالبَيْعِ) وقال ابنُ حبيبٍ: تستحَبُّ السهولةُ في البيعِ والشِّراءِ، ومثلُهما غيرُهما أيضاً؛ لحديث: ((ما كان الرِّفقُ في شيءٍ إلا زانَه)) قال في ((الفتح)): يحتمل أن يكونَ من باب اللفِّ والنَّشرِ مرتَّباً أو غيرَ مرتَّبٍ، ويحتملُ كلٌّ منهما لكلٍّ منهما؛ إذ السُّهولةُ والسَّماحةُ متقاربانِ في المعنى، فعطفُ أحدِهما على الآخر من التأكيدِ بغير اللفظ، وهو ظاهرُ حديثِ الباب، والمرادُ بالسَّماحةِ: تركُ المضاجَرةِ ونحوِها، لا المواكَسةُ في ذلك، انتهى.
          واعترضه العينيُّ، فقال: قد عرفتَ أنهما متغايران في أصلِ الوضعِ، فلا يصِحُّ أن يقالَ: من التأكيدِ اللفظيِّ؛ لأنه أن يكونَ المؤكِّدُ والمؤكَّدُ لفظاً واحداً من مادَّةٍ واحدةٍ كما عُرفَ في موضعِه، انتهى.
          وأقول: تقدَّمَ نقلاً عن ابنِ الأثيرِ أنَّ السُّهولةَ ضدُّ الصعوبةِ وضدُّ الحَزْنِ، وأنَّ السَّماحةَ من: سَمُحَ وأسمَحَ: جادَ وأعطَى عن كرمٍ وسخاءٍ، انتهى.
          فعليه هما متغايران، فلا يصِحُّ القولُ بأنهما من التأكيدِ اللفظيِّ كما قال، لكن دعواه أنَّ التأكيدَ اللفظيَّ: ما كان لفظُ المؤكِّدِ والمؤكَّدِ واحداً من مادَّةٍ واحدةٍ فيها شيءٌ، إذ قد يكونان متغايِرَين فيما ذكرَه كليثٍ أسدٍ.
          نعم؛ يرِدُ على الحافظِ أنه لا يكونَ العطفُ من التأكيدِ اللَّفظيِّ، على أنَّ ابنَ الأثير قال في قوله صلعم: ((اسمَحْ يُسمَحْ لك)) أي: سهِّلْ يسهَّلْ عليك، ومنه حديثُ عطاءٍ: ((اسمَحْ يُسمَحْ لك)) ومنه الحديثُ المشهورُ: ((السَّماحُ رَباحٌ))؛ أي: المساهَلةُ في / الأشياء تُربحُ صاحبَها، انتهى.
          وعليه الكلام المختارُ السابقُ، فيصِحُّ ما في ((الفتح))، فتأمَّل.
          (وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا) أي: ممَّن له عليه (فَلْيَطْلُبْهُ) أي: منه (فِي) ولابنِ عساكرَ: <عن> (عَفَافٍ) بفتح العين المهملة وفاءين بينهما ألف، الكَفُّ عمَّا لا يحِلُّ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ حالٍ من مصدرِ: ((يطلُب)) لا من الضميرِ الذي في ((يطلُبْه)) كما قاله العينيُّ، وهذا الجزءُ من التَّرجمةِ بعضُ حديثٍ.
          قال في ((الفتح)) أشار بهذا القدر إلى ما أخرجَه الترمذيُّ وابنُ ماجه وابنُ حبَّان عن ابنِ عمرَ وعائشةَ مرفوعاً: ((مَن طلَبَ حقًّا فليطلُبْه في عَفافٍ وافٍ أو غيرِ وافٍ)) وقال العينيُّ كابنِ الملقِّن: وفي روايةٍ أخرى: ((خُذْ حقَّكَ في عَفافٍ وافياً أو غيرَ وافٍ)).