الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا لم يوقت في الخيار هل يجوز البيع؟

          ░43▒ (بَابٌ: إِذَا لَمْ يُوَقِّتْ) أي: إذا لم يعيِّنِ البائعُ أو المشتري وقتاً (فِي الخِيَارِ) أي: خيارِ المجلِسِ كيومٍ مثلاً، بل أطلَقا، ولأبي ذرٍّ: <الخيارَ> بإسقاطِ: <في>.
          فإن قلتَ: ما معنى هذه التَّرجمة؟ قلتُ: يعني إذا لم يوقِّتْ في البيعِ زمانَ الخِيارِ بيومٍ أو نحوِه، هل يكونُ ذلك البيعُ لازماً؟ فلا يصِحُّ فسخُه، أو يكونُ جائزاً؟ فيصحُّ فسخُه. انتهى.
          و((يُوَقِّتْ)) بفتح الواو وتشديد القاف، مبنيًّا للفاعل أو المفعول، و<الخِيار> على حذفِ ((في)) مرفوعٌ أو منصوبٌ، فافهم.
          (هَلْ يَجُوزُ البَيْعُ؟) أي: هل يكونُ البيعُ غيرَ لازمٍ؟ فيجوزُ فسخُه، أو يلزمُ؟ فلا يجوزُ فسخُه، أمَّا إذا ذكرا خيارَ الشرطِ ولم يوقِّتاه، فلا يصِحُّ العقدُ، كذا قرَّرَه شيخُ الإسلام ومَن تبعَه.
          ولعلَّ هذا معنى قولِ الكرمانيِّ، فإنه قال: ويكون البيعُ باطلاً إذا لم يوقَّتْ خيارُ الشَّرطِ، وبه صرَّحَ فقهاؤنا في الفروع، قال في ((التُّحفة)) لابنِ حجَرٍ: إما شرطُه مُطلقاً، أو في مدَّةٍ مجهولةٍ؛ كإلى الحصاد، فهو مُبطِلٌ للعقدِ؛ لِما فيه من الغَررِ، انتهى.
          وقال في ((الفتح)): إذا أطلقا الخيارَ، هل يجوزُ البيعُ أم لا؟ قال: وكأنه أشارَ بذلك إلى الخلافِ / الماضي في حدِّ خيارِ الشَّرطِ، والذي ذهبَ إليه الشافعيَّةُ والحنفيَّةُ أنه لا يُزادُ فيه على ثلاثةِ أيام، وذهبَ ابنُ أبي ليلى وأبو يوسُفَ ومحمدٌ، وزادَ أحمدُ وإسحاقُ وأبو ثورٍ وآخرون، إلى أنه لا أمَدَ لمدَّةِ خيارِ الشرطِ، بل البيعُ جائزٌ، والشرطُ لازمٌ إلى الوقتِ الذي يشترِطانِه.
          فإن شرَطا أو أحدُهما الخيارَ مطلقاً؛ فقال الأوزاعيُّ وابنُ أبي ليلى: هو شرطٌ باطلٌ، والبيعُ جائزٌ، وقال الثوريُّ والشافعيُّ وأصحابُ الرأي: يبطُلُ البيعُ أيضاً، وقال أحمدُ وإسحاقُ: للذي شَرطَ الخِيارَ أبداً، انتهى، فتأمَّله.
          ونقل ابنُ الملقِّن عن ابنِ المنيِّر أنه قال: الظَّاهرُ أنه قصَدَ بقوله: ((إذا لم يوقِّتْ في الخيار...)) إلخ، أنه يجوزُ البيعُ، وإطلاقُ الخيارِ يفوَّضُ إلى العادةِ في مثلِ السِّلعةِ من يومٍ أو أكثرَ، وهذا مذهبُ مالكٍ خلافاً لمَن منعَ البيعَ كذلك للغَررِ.
          وأقول: الأقربُ أنَّ المرادَ خيارُ الشرطِ، فإذا أطلَقاه أو أحدُهما، ولم يقيِّداه بزمنٍ، هل يجوزُ هذا البيعُ أو لا؟ فمَن حصرَه في ثلاثةِ أيامٍ؛ كالشافعيَّة والحنفيَّة قال: لا يجوزُ، ومَن لم يحصُرْه فيها؛ كالمالكيَّةِ قال: يجوزُ، ولم يجزِمْ بالجوابِ للاختلافِ فيه، فتأمَّل.
          لكن دلالةُ حديثِ البابِ على ما ذكرناه أو ذكروه يحتاجُ إلى تأمُّلٍ.