الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب شراء الحوائج بنفسه

          ░33▒ (بَابُ شِرَاءِ الإِمَامِ الحَوَائِجَ بِنَفْسِهِ) قال القسطلانيُّ: بنصبِ ((الحوائجَ)) على المفعولية، وسقط لغيرِ أبي ذرٍّ لفظُ: ((الإمام)) وهو أعمُّ، فـ ((الحوائج)) مجرورٌ بالإضافة، قال: وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ: لأبي ذرٍّ عن غيرِ الكُشميهنيِّ: <بابُ شراءِ الإمامِ الحوائجَ بنفسِه> وسقطتِ التَّرجمةُ للباقين، ولبعضِهم: <شراءِ الحوائجِ بنفسِه>؛ أي: الرَّجلِ، انتهى ما في ((القسطلاني، فليُتأمَّل.
          وضميرُ ((بنفسِه)) على إسقاط ((الإمامِ)) عائدٌ على الرجلِ المفهومِ من المقام، وأقول: إضافةُ ((شِراءِ)) لِما بعدَه، من إضافةِ المصدرِ إلى فاعلِه على إثباتِ لفظِ: ((الإمام)) وإلى مفعولِه على حذفِه.
          قال في ((المصباح)): شرَيتُ المتاعَ أَشريه: إذا أخذتَه بثَمنٍ، أو أعطيتَه بثمنٍ، فهو من الأضداد، وشرَيتُ الجاريةَ شِراءً، فهي شِرِيَّةٌ؛ بمعنى: مَشْريَّةٌ، وعبدٌ شِرِيٌّ، ويجوزُ: مَشْرِيَّةٌ ومَشْرِيٌّ، وإنما ساغَ أن يكونَ الشَّريُّ من الأضدادِ؛ لأنَّ المتبايعَين تبايَعا الثَّمنَ والمثمَّنَ، فكلٌّ من العوَضَين مبيعٌ من جانبٍ ومشريٌّ من جانبٍ، ويمدُّ الشِّراءُ ويقصرُ، وهو الأشهرُ.
          قال: ويُحكى أنَّ الرشيدَ سألَ اليزيديَّ والكِسائيَّ عن قصرِ الشِّرى، ومدَّه، فقال الكسائيُّ: مقصورٌ لا غيرُ، وقال اليزيديُّ: يقصرُ ويمدُّ، فقال له الكسائيُّ: من أين لك؟ فقال اليزيديُّ: من المثَلِ السائر: لا يغتَرُّ بالحُرَّةِ عامَ هدَائها، ولا بالأمَةِ عامَ شرائها، فقال الكِسائيُّ: ما ظننتُ أنَّ أحداً يجهَلُ مثلَ هذا، فقال اليَزيديُّ: ما ظننتُ أنَّ أحداً يفتري به بين يدَي أميرِ المؤمنين، قال: وإذا نسبْتَ إلى المقصورِ قلتَ: شِرَويٌّ، بقلب الياءِ واواً، وببقاء الشينِ مكسورةً، كما يقال: رِبَويٌّ وحِمَوِيٌّ، وإذا نسبْتَ إلى الممدودِ فلا تعتبر، انتهى ما في ((المصباح)).
          وفائدةُ هذه التَّرجمةِ _كما في ((الفتح))_: رفعُ توهُّمِ مَن يتوهَّمُ أنَّ ذلك يقدَحُ في المروءة، انتهى.
          وقال ابنُ الملقِّن _كابنِ بطَّالٍ_: وفي الباب ما بوَّبَ له؛ وهو: مباشَرةُ الشريفِ والإمامِ والعالِمِ شراءَ الحوائجِ بنفسِه، وإن كان له مَن يكفيه؛ إيثاراً للتواضُعِ، وخروجاً عن أحوالِ المتكبِّرين؛ لأنه لا يشُكُّ أحدٌ أنَّ جميعَ المؤمنين كانوا حُرَّاصاً على كفايةِ النبيِّ صلعم ما يعِنُّ له من أمورِه، وما يحتاجُ إلى التصرُّفِ فيه؛ رغبةً منهم في دعوة منه، وتبرُّكاً بذلك، انتهى.
          وبالسند قال:(وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) بضم العين؛ أي: ابنِ الخطَّابِ (☻) ممَّا وصله المصنِّفُ في الهبة (اشْتَرَى النَّبِيُّ صلعم جَمَلًا) بفتح الجيم والميم، اسمٌ للذكرِ من الإبلِ خاصةً (مِنْ عُمَرَ) أي: ابنِ الخطَّابِ، وزاد الكُشميهَنيُّ: <واشترى ابنُ عمرَ بنفسِه> وسيأتي وصلُه في باب: شراءِ الإبلِ الهِيمِ، الآتي قريباً.
          (وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ) أي: الصديقُ (☻) مما وصله المصنِّفُ آخرَ البيوع، في بابِ: الشراءِ والبيعِ مع المشركين (جَاءَ مُشْرِكٌ) لم يسَمَّ (بِغَنَمٍ) قال ابنُ الملقِّن نقلاً عن القزَّاز: والغنمُ: اسمٌ للشاةِ والمعْزِ، لا واحدَ لها من لفظِها، والجمعُ: أغنامٌ، فإذا أرادوا واحدةً قالوا: شاةٌ، انتهى / .
          (فَاشْتَرَى النَّبِيُّ صلعم مِنْه) أي: من المشرِكِ (شَاةً) أي: واحدةً (وَاشْتَرَى) أي: النبيُّ صلعم (مِنْ جَابِرٍ) أي: ابنِ عبدِ الله الأنصاريِّ ☻.
          (بَعِيرًا) قال الكرمانيُّ: البعيرُ من الإبلِ بمنزلةِ الإنسانِ من النَّاس، يقالُ للجمل: بعيرٌ، وللناقةِ: بعيرٌ، انتهى.
          وحديثُ جابرٍ وصلَه المصنِّفُ في البابِ الذي عَقِبَ هذا.
          وفيه المطابقةُ للترجمة.