الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب شراء الدواب والحمير

          ░34▒ (بَابُ شِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالحَميرِ) من إضافةِ المصدرِ إلى مفعولِه بعد حذفِ فاعلِه، وعطفُ ((الحميرِ)) على ((الدَّوابِّ)) من عطفِ الخاصِّ على العامِّ، سواءٌ حملتَ الدابَّةَ على معناها اللُّغويِّ؛ وهو: كلُّ ما يدِبُّ على الأرض، أو على العرفيِّ؛ وهو: ذواتُ الحوافرِ الأربعةِ، ولأبي ذرٍّ _كما في ((الفتح))_: <والحُمُر> بضمتين، ورأيتُ في نسخةٍ صحيحةٍ عزوَها للأصيليِّ، وهما جمعُ: حمارٍ؛ لأنه يجمعُ عليهما وعلى حُمْرٍ _أي: بسكون الميم_ وأحمِرةٍ وحُمُراتٍ، قاله القسطلانيُّ، لكن قال العينيُّ: حُمُراتٌ جمعُ: حُمُرٍ. وقال في ((القاموس)): الحِمارُ معروفٌ، ويكونُ وحشيًّا، والجمعُ: أحمِرةٌ وحُمُرٌ وحَمِيرٌ وحُمورٌ وحُمُراتٌ ومحمُوراءُ، انتهى.
          وهو يوافق ما قاله القسطلانيُّ، إلا أن يُجعَلُ فيه تجوُّزٌ، فيوافِقَ ما قاله العينيُّ، ويرِدُ على القسطلانيِّ أنَّ حُمْراً _بسكون الميم_ جمعُ: أحمرَ، وهو: الكريمُ من الإبل، وهو مثَلٌ في كلِّ نفيسٍ، كما في ((المصباح))، ولعلَّ ما قاله القسطلانيُّ مخفَّفٌ من المضموم، فتأمَّل.
          ومن جملةِ التَّرجمةِ قولُه:
          (وَإِذَا اشْتَرَى) بزيادة تاء الافتعال؛ أي: الشخصُ (دَابَّةً أَوْ جَمَلًا) أو لأحدِ الشيئين (وَهُوَ) أي: والبائعُ (عَلَيْهِ) أي: راكبٌ على أحدِهما، والجملةُ حاليةٌ (هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ) أي: الشراءُ المذكورُ (قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ) أي: البائعُ عن المبيعِ، في ذلك خلافٌ، فلذلك لم يذكُرْ جوابَ الاستفهام، قال ابنُ الملقِّن تَبعاً لابنِ بطَّالٍ: اختلفَ أهلُ العلم في البيع؛ هل القبضُ شرطٌ في صحَّتِه أم لا؟ فذهبَ مالكٌ وأحمدُ وإسحاقُ إلى أنَّ البيعَ يتِمُّ بالعقد، وليس القبضُ شرطاً في صحَّتِه لغيرِ الرِّبويِّ.
          وقال أبو حنيفةَ والشافعيُّ: هو من تمام العقد، فإنْ تلِفَ قبلَ قبضِه، فمِن ضمانِ البائع.
          قال ابنُ المنذِر: قد وهبَ الشارعُ الجملَ لجابرٍ قبل أن يقبِضَه، فإذا جازت هبةُ المشتري للبائعِ قبلَ قبضِه جازَ أن يهبَه لغيرِ البائع، وجاز بيعُه، وأن يفعلَ فيما اشتراه ما يفعَلَه المالكُ، وليس مع مَن خالف هذا سنَّةٌ يُدفَعُ بها هذه السُّنةُ الثابتةُ، انتهى.
          ولعلَّ هذا قولٌ للشافعيِّ، وإلا فالبيعُ يتِمُّ بتمامِ العقدِ، نعم؛ لا يصِحُّ بيعُه ولا التصرُّفُ فيه قبلَ قبضِه، وإذا تلِفَ يكونُ من ضمانِ البائع، ولعلَّه / أرادَ بما نقلَه عن الشافعيِّ ما ذُكرَ، فتأمَّل.
          (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) أي: ابنِ الخطَّابِ (قَالَ النَّبِيُّ صلعم لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ؛ يَعْنِي: جَمَلًا صَعْبًا) بسكون العين.
          وسيأتي الكلامُ عليه في الهِبةِ حيثُ وصلَه المصنِّف.