الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب من باع نخلًا قد أبرت أو أرضًا مزروعةً أو بإجارة

           ░90▒ (بَابٌ مَنْ بَاعَ): ولأبي ذرٍّ: <باب قبضِ مَن باعَ> (نَخْلاً): اسم جنسٍ جمعيٍّ، يُذكَّر ويُؤنَّث، فلذا قال: (قَدْ أُبِّرَتْ): والجملةُ صفةُ ((نخلاً))، و((أُبِّرت)) بتشديد الموحَّدةِ مبنيًّا للمفعولِ على ما في الأصول، وعزاه القسطلانيُّ للفرعِ، وبتخفيفِ الموحَّدة مع كسرها وضمِّ الهمزةِ على المشهورِ على ما في ((الفتح))، ونسب القسطلانيُّ التَّخفيفَ لغير الفرعِ، واسمُ المفعولِ من المخفَّف مأبورةٌ، والفعلُ فيهما متعدٍّ، ففي ((المصباح)): أَبَرت النَّخلَ أَبْراً من بابي ضَرَب وقَتَل: لقَّحته، وأبَّرته تأبيراً مبالغةً وتكثيراً، والأَبُورُ وزان رَسُولٍ: ما يُؤبَّر به، والإِبارُ وزان كِتَابٍ: النَّخلةُ التي تُؤبَّر بطلعِها، وقيل: الإبارُ مصدرٌ أيضاً، انتهى.
          وقال في ((النِّهاية)): في الحديثِ: ((خيرُ المالِ مهرةٌ مأمورةٌ، وسكَّةٌ مأبورةٌ)) السِّكَّةُ: الطَّريقةُ المصطفَّة من النَّخلِ، والمأبورةُ: الملقَّحةُ، يقال: أَبَرتُ النَّخلَ وأبَّرتها فهي مأبورةٌ ومؤبَّرةٌ، والاسم: الإبارُ، وقيل: السِّكَّة: سكَّة الحرثِ، والمأبورةُ: المصلحةُ له، أراد: خيرُ المالِ نتاجٌ أو زرعٌ، ومنه الحديث: / ((مَن باعَ نخلاً قد أُبِّرت فثمرتُها للبائعِ إلَّا أن يشترطَ المبتاعُ))، انتهى، والتَّأبيرُ: التَّشقيقُ والتَّلقيحُ، ومعناه: شقَّ طلعَ النَّخلةِ الأنثى ليذرَ فيه من طلع النَّخلةِ الذَّكَر، فيكونُ التَّمر أجودَ، والحكمُ المذكورُ من أنَّ الثَّمرة للبائعِ ثابتٌ بمجرَّدِ التَّشقيقِ ولو لم يضع فيه شيئاً.
          وقوله: (أَوْ أَرْضاً): معطوفٌ على ((نخلاً))؛ أي: أو باعَ أرضاً (مَزْرُوعَةً): خرجَ غير المزروعةِ (أَوْ بِإِجَارَةٍ): عطفٌ على المعنى بتقدير فعلٍ؛ أي: أو قبضَ أو أخذَ نخلاً بإجارةٍ، وجواب ((مَن)) محذوفٌ؛ أي: فثمرتها للبائعِ أو المؤجِّرِ، كذا قدَّرهُ شيخُ الإسلامِ، ولم يذكرْه اكتفاءً بما في الحديثِ، وقاسَ البخاريُّ النَّخلَ المأجورةَ على النَّخلِ المباعةِ، وألحقَ بالنَّخلِ سائرَ الأشجَارِ المثمرةِ، وبالتَّأبيرِ التَّأبُّر، وبتأبيرِ الكلِّ تأبيرَ البعضِ لِما في تتبُّع ذلك من العُسرِ.