الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب بيع الغرر وحبل الحبلة

          ░61▒ (باب بَيْعِ الْغَرَرِ) أي: بيانِ حُكمِه، وهو _بفتح الغين المعجمة وبراءين_، وهو أنواعٌ كثيرةٌ؛ بيعُ الآبِقِ والمعدومِ والمجهولِ، وما لا يُقدَرُ على تسليمِه؛ كالمسكِ في فأرَتِهِ، وكلُّها باطلةٌ وغيرُ جائزةٍ، إلا أساسَ الدَّارِ مثلاً، وحشْوَ الجُبَّةِ، فيصِحَّان تَبعاً لدخولِهما في مُسمَّى الدَّارِ والجُبَّة مع الضرورةِ لدخولِهما، وإذا سمَّاهما كانا من بابِ التأكيدِ، بخلافِ بيعِ الحاملِ وحملِها، أو الدَّابةِ ولبنِ ضَرعِها، فإنه لا يصِحُّ؛ لجَعلِه الحمْلَ واللَّبنَ المجهولَ مَبيعاً مع المعلومِ مع عدمِ الضَّرورةِ؛ لدخولِهما، بخلاف بيعِها بشَرطِ كَونِها لَبوناً / أو حامِلاً، فإنَّه يصِحُّ؛ لأنَّه جعَلَ ذلك وَصْفاً تابعاً، وله الخيارُ إذا أُخلِفَ الشَّرطُ.
          (وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ) بفتح الحاء المهملة والموحدة فيهما، وحكيَ في الأول سكونُ الموحدة، وغلَّطه القاضِي عياضٌ، وفعلُه ثلاثيٌّ من بابِ: تعِبَ، قال في ((الفتح)): ((هو مصدَرُ: حبلَتِ المرأةُ تحبُلُ حبَلاً، والحبَلةُ جمعُ: حابلٍ؛ كظَلَمةٍ وظالمٍ، والهاءُ للمبالغةِ، وقيل: للإشعارِ بالأنوثةِ، وقد ندرَ فيه: امرأةٌ حابِلةٌ _بهاء التأنيث_، وقيل: حَبَلةٌ: مصدرٌ سمِّيَ به المحبولُ، قال أبو عُبيدٍ: لا يقالُ لشيءٍ من الحيواناتِ حبلَتْ إلَّا الآدميَّاتِ، إلا ما وردَ في هذا الحديثِ، وأثبتَه في ((المحكم)) فقال: اختُلفَ أهي للإناثِ عامَّةً أم للآدميَّاتِ خاصَّةً، وأنشَدَ في التَّعميمِ قولَ الشَّاعرِ:
أو ذِيَخَةٌ حُبْلَى مُجِحٌّ مُقْرِبُ
          وعطفُ: ((حَبَلِ الحَبَلةِ)) على: ((الغَررِ)) من عطفِ الخاصِّ على العامِّ، وأفردَه بالتَّنصيصِ لشُهرتِهِ في الجاهليَّة))، كما في ((الفتح)).
          تنبيه: قال النَّوويُّ: النهيُ عن بيعِ الغررِ أصلٌ من أصُولِ البيعِ، فيدخُلُ تحتَه مسائلُ كثيرةٌ جدًّا، ولم يذكُرِ المصنِّفُ لبيعِ الغررِ حديثاً، وكأنَّه أشارَ إلى ما أخرجَهُ أحمدُ عن ابنِ عمرَ قال: ((نهى النَّبيُّ صلعم عن بيعِ الغررِ))، وأخرج مسلمٌ عن أبي هريرةَ النَّهيَ عن بيعِ الغرَرِ، ورواه ابنُ ماجه عن ابنِ عبَّاسٍ، والطَّبرانيُّ عن سهلِ بنِ سعدٍ، ولأحمدَ عن ابنِ مسعودٍ رفعَهُ: ((لا تشتَرُوا السَّمكَ في الماءِ، فإنَّه غررٌ)) وشريُ السَّمكِ في الماءِ نوعٌ من أنواعِ الغررِ، ويلتحقُ به الطَّيرُ في الهواءِ، وأخرج ابنُ أبي عاصمٍ عن عمرانَ بنِ حُصينٍ: ((أنَّ النبيَّ نهى عن بيعِ ما في ضُروعِ الماشيةِ قبل أن تُحلَبَ، وعن بيعِ الجَنينِ في بطونِ الأنعامِ، وعن بيعِ السَّمكِ في الماءِ، وعن المضامينِ والملاقيحِ وحَبَلِ الحبَلةِ، وعن بَيعِ الغَررِ)).