الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ذكر الحجام

          ░39▒ (باب ذِكْرِ الحَجَّامِ) بفتح الحاء المهملة وتشديد الجيم، فاعلُ: الحِجامة؛ وهو: إخراجُ الدَّمِ على وجهٍ مخصوصٍ، ويأتي قريباً مَزيدُ بيانٍ له، و((ذِكرِ)) بكسر الذال المعجمة، مصدرٌ مضافٌ إلى مفعولِه، وهو على حذفِ مُضافٍ؛ أي: بابُ ذكرِ حُكمِ الحَجَّامِ، ولو قُدِّرَ: وما يتعلَّقُ به معطوفاً على الحجَّام؛ أي: لم يحتَجْ إلى تقديرِ مضافٍ، فافهم.
          قال العينيُّ: لمَّا ذكر المصنِّفُ في باب: مُوكِلِ الرِّبا النَّهيَ عن ثمنِ الدَّمِ الذي هو دمُ الحِجامةِ، وظاهرُه التَّحريمُ، عقَدَ هنا هذا البابَ ليدلَّ على أنَّ النهيَ الواردَ فيه إما منسوخٌ، كما ذهبَ إليه البعضُ، وإما محمولٌ على التنزيه، كما ذهبَ إليه آخرون، قال: وهذا الذي يُذكَرُ ههنا هو الوجهُ، لا ما ذكره بعضُهم مما لا طائلَ تحتَه، انتهى.
          وقال ابنُ المنيِّر: ليست هذه التَّرجمةُ تصويباً لصَنعةِ الحِجامةِ، فإنه وردَ فيها حديثٌ يخصُّها، وإن كان الحجَّامُ لا يُظلَمُ أجرَه، فالنهيُ على الصانعِ لا على المستعمِلِ، والفرقُ بينهما ضرورةُ المحتجِمِ إلى الحِجامةِ، وعدَمُ الضرورة للحجَّام لكثرةِ الصَّنائعِ سِواها، واعترضه في ((الفتح)) فقال: إن أرادَ بالتصويبِ التحسينَ والنَّدبَ إليها، فهو كما قال، وإن أراد التجويزَ فلا، فإنه يسوغُ للمستعمِلِ تعاطيها للضَّرورةِ، ومن لازِمِ تعاطيها للمستعمَلِ تعاطي الصانعِ لها، فلا فرقَ إلا بما أشرتُ إليه؛ إذ لا يلزَمُ من كونِها من المكاسِبِ الدَّنيَّةِ، أن لا تُشرَعَ، فالكُسَّاحُ؛ أي: الكُنَّاسُ، أسوأُ حالاً من الحُجَّام، ولو تواطأَ النَّاسُ على تركِه لأضرَّ ذلك بهم، انتهى.