إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قال الله كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك

          4974- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكمُ بنُ نافعٍ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أَخْبَرنا“ (شُعَيْبٌ) هو ابنُ أبي حَمْزة قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هرمز (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ) بتشديد الذال المعجمة، أي: بعضُ بني آدم، وهُم من أنكرَ البعثَ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) التَّكذيب (وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) الشَّتم (فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ؛ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ؛ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا) وإنَّما كان شتمًا لما فيه من التَّنقيص؛ لأنَّ الولد إنَّما يكون عن والدٍ يحملهُ ثمَّ يضعهُ، ويستلزمُ ذلك سبق نكاحٍ، والنَّاكح يستدعِي باعثًا له على ذلك، والله تعالى منزَّه عن ذلك (وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ) فعَل بمعنى مفعول، كالقَبَضِ(1) والنَّقص (لَمْ أَلِدْ / وَلَمْ أُولَدْ) لأنَّه لمَّا كان تعالى واجب الوجودِ لذاتهِ قديمًا موجودًا قبل وجودِ الأشياء، وكان كلُّ مولود محدثًا؛ انتفت عنهُ الولديَّة(2)، ولما كان لا يشبههُ أحدٌ من خلقهِ ولا يجانسهُ؛ حتَّى يكون له من جنسِهِ صاحبة فيتوالد؛ انتفَت عنهُ الوالديَّة، ولأبي ذرٍّ: ”{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}“ (وَلَمْ يَكُنْ لِي(3) كُفُوًا أَحَدٌ) أي: مكافئًا ومماثلًا، فـ «لي»(4) متعلِّق بـ «كفوًا»، وقُدِّم عليه لأنَّه محطُّ القصدِ بالنَّفي، وأُخِّر «أحدٌ» _وهو اسم «يكن»_ عن خبرها رعايَةً للفاصلة، وقوله: «لم يكنْ لي» بعد قولهِ: «لم يلد» التفات.
          قال الشَّيخ عزُّ الدِّين بن عبدِ السَّلام ⌂ : السُّلوب الواجبة لله تعالى على قسمين: أحدُهما: سلبُ نقيصةٍ؛ كالسِّنَة والنَّوم والموت. والثَّاني: ليس سلبًا للنقصِ بل سلبًا للمُشارِكِ في الكمالِ؛ كسلبِ الشَّريك. وأمَّا قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص:3] فإنَّه سلبٌ للنَّقص؛ إذ الولد والوالد لا يكونان إلَّا من جسمينِ، وهما من الأغيارِ، والأغيار نقصٌ، وإن كانا يدلَّان بالتزامٍ على أنَّ الولد مثل الوالد؛ فيعودُ إلى سلبِ المشاركةِ في الكمالِ(5).


[1] في غير (د): «كالقنص».
[2] في (ج) و(ص) و(د) و(س) و(ل): «الوالديَّة».
[3] في (م) و(د): «له».
[4] في (ص) و(م) و(د): «فله».
[5] قوله: «قال الشيخ عز الدين... في الكمال»: ليس في (د).