إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: انطلق رسول الله في طائفة من أصحابه عامدين

          4921- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الوضَّاح اليشكُريُّ (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، جعفرُ بنُ أبي وحشيَّة الواسِطيُّ البصريُّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ ، أنَّه (قَالَ: انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلعم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ / عَامِدِينَ) قاصدينَ (إِلَى سُوقِ عُكَاظٍَ) بضم العين المهملة وفتح الكاف المخففة وبعد الألف معجمة، بالصَّرف وعدمه، موسمٌ معروفٌ للعربِ من أعظمِ مواسمهم، وهو نخلٌ في وادٍ(1) بين مكَّة والطَّائف‼، يقيمونَ به شوَّالًا كلَّه يتبايَعون ويتفاخَرون، وكان ذلك لمَّا خرجَ ╕ إلى الطَّائف، ورجعَ منها سنةَ عشرٍ من المبعثِ، لكن استُشْكِل قوله: في طائفةٍ من أصحَابهِ؛ لأنَّه لمَّا خرجَ إلى الطَّائف لم يكن معهُ من أصحابهِ إلَّا زيد بن حارثة، وأُجيب بالتَّعدد أو أنَّه لمَّا رجع لاقاهُ بعض أصحابهِ في أثناء الطَّريق (وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمُ الشُّهُبُ) بضمتين، جمع: شِهاب، والَّذي تظاهَرت عليه الأخبار أنَّ ذلك كان أوَّل المبعَث، وهو يؤيِّد تغايرَ زمانِ القصَّتين، وأنَّ مجيءَ الجنِّ لاستماعِ القرآن كان قبلَ خروجهِ ╕ إلى الطَّائف بسنتَينِ، ولا يعكِّر عليه قوله: إنَّهم(2) رأوهُ يصلِّي بأصحابهِ صلاة الصُّبح؛ لأنَّه كان ╕ يصلِّي قبلَ الإسراء صلاةً قبل طلوعِ الشَّمس وصلاةً قبل غروبِها (فَرَجَعَتِ الشَّيَاطِينُ) إلى قومِهم (فَقَالُوا) لهم: (مَا لَكُمْ؟ قَالُوا) ولغير أبي ذرٍّ: ”فقالوا“(3): (حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ. قَالَ) إبليس بعدَ أن حدَّثوه بالَّذي وقع، ولأبي ذرٍّ: ”فقال“: (مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا مَا حَدَثَ) لأنَّ السَّماء لم تكُن تحرس إلَّا أن يكونَ في الأرضِ نبيٌّ أو دينٌ للهِ ظاهر. قاله السُّدِّي (فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا) أي: سيروا فيها (فَانْظُرُوا مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَدَثَ؟ فَانْطَلَقُوا فَضَرَبُوا(4) مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا يَنْظُرُونَ مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ) الشَّياطين (الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ) بكسر الفوقية، وكانوا من جنِّ نصيبينَ (إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم بِنَخْلَةَ) بفتح النون وسكون(5) الخاء المعجمة غير منصرف للعلميَّة والتَّأنيث، موضعٌ على ليلةٍ من مكَّة (وَهْوَ) ╕ (عَامِدٌ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ، وَهْوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا سَمِعُوا القُرْآنَ) منه ╕ (تَسَمَّعُوا لَهُ) بتشديد الميم، أي: تكلَّفوا سماعَه (فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَهُنَالِكَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ {فَقَالُوا}: يَا قَوْمَنَا؛ { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}) يتعجَّب(6) منه في فصاحةِ لفظهِ، وكثرة معانيه ({يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}) الإيمان والصَّواب ({فَآمَنَّا بِهِ}) بالقرآن ({وَلَن نُّشْرِكَ}) بعدَ اليوم ({ بِرَبِّنَا أَحَدًا}[الجن:1-2] وَأَنْزَلَ اللهُ ╡ عَلَى نَبِيِّهِ صلعم : { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ}) لقراءَتي ({نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ}[الجن:1]) ما بين الثَّلاثة إلى العشرة. قال ابنُ عبَّاس: (وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ) صلعم (قَوْلُ الجِنِّ) لقومهِم: { إِنَّا سَمِعْنَا}... إلى آخره. وزادَ التِّرمذيُّ: قال ابنُ عبَّاس: وقولُ الجنِّ لقومِهم: {لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}[الجن:19] قال: لمَّا رأوه يصلِّي، وأصحابه‼ يصلُّون بصلاتِه يسجدُون بسجودِه؛ قال: فعجبُوا(7) من طواعيةِ أصحابهِ له؛ قالوا لقومهِم ذلك، وظاهره أنَّه ╕ لم يرهُم ولم يَقرأ عليهم، وإنَّما اتَّفق حضورهُم وهو يقرَأ فسمعوهُ، فأخبرَ الله بذلك رسولهُ.
          وهذا الحديثُ سبقَ في «بابِ الجهر بقراءةِ صلاةِ الفجر»، من «كتابِ الصَّلاة» [خ¦773].


[1] قوله: «في واد»: ليس في (د).
[2] قوله: «إنهم»: ليس في (ص).
[3] قوله: «ولغير أبي ذرٍّ، فقالوا»: ليس في (د).
[4] في (ص): «يضربون».
[5] في (ص): «كسر».
[6] في (م): «متعجبين».
[7] في (م): «فتعجبوا».