إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

معلق ابن مسعود: كنت في حلقة فيها عبد الرحمن بن أبي ليلى

          4910- وقال المؤلِّف بالسَّند إليه: (وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) الواشِحيُّ (وَأَبُو النُّعْمَانِ) محمَّد بنُ الفضلِ، عارِم، شيخا المؤلِّف، ممَّا وصلَه الطَّبرانيُّ في «الكبير» قالا: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أي: ابنِ درهَم، الجَهضميُّ (عَنْ أَيُّوبَ) السَّخْتِيَانيِّ (عَنْ مُحَمَّدٍ) هو ابنُ سيرينَ، أنَّه (قَالَ: كُنْتُ فِي حَلْـَقَةٍ) بسكون اللام، وقد تفتح (فِيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى) الأنصاريُّ المدنيُّ، ثمَّ الكوفيُّ (وَكَانَ أَصْحَابُهُ يُعَظِّمُونَهُ، فَذَكَرَ) ولأبي ذرٍّ: ”فذكروا“ أي: أصحابه (آخِرَ الأَجَلَيْنِ) أي: أقصاهُما للمتوفَّى عنها زوجُها في العدَّة (فَحَدَّثْتُ بِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ) الأَسْلَمِيَّة (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ) بنِ مسعودٍ. قال الحافظُ ابن حجرٍ: وساقَ الإسماعيليُّ من وجهٍ آخرَ عن حمَّاد بنِ زيدٍ بهذا الإسناد قصَّةَ سُبيعة بتمامها (قَالَ) ابنُ سيرينَ: (فَضَمَّزَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِهِ) بتشديد الميم آخره زاي معجمة، ولأبي ذرٍّ: ”فضمَز“ بتخفيف الميم. قال: ومعناهُ: عضَّ له شفته غمزًا، وقال عياضٌ: للقابسيِّ: ”فضمَرَني“ بالراء مع التخفيف، ولأبي الهيثم: ”فضمَزَني“ بنون وتحتية ساكنة بعد الزاي مخففًا، وللأَصيليِّ: ”فضمَّنَ“ بنون بعد التشديد(1)، وللباقين: ”فضمِنَ“ بكسر الميم مخففة. قال: وهذا كلُّهُ غير مفهوم المعنى، وأشبهها روايةُ أبي الهيثم بالزاي، لكن مع تشديد الميم وزيادة نون بعدها ياء، أي: أسكتني، يقالُ: ضَمَزَ: سَكَتَ، وضميز غيره، ولابن السَّكن: ”فغمَّضَ لي“ فإن صحَّت فمعناها من تغميضِ عينيه له على السُّكوت (قَالَ مُحَمَّدٌ) هو ابنُ سيرين: (فَفَطَـِنْتُ لَهُ(2)) بكسر الطاء وتفتح، أي: لإنكارهِ (فَقُلْتُ: إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ إِنْ كَذَبْتُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ وَهْوَ فِي نَاحِيَةِ الكُوفَةِ. فَاسْتَحْيَا) ممَّا صدرَ من الإشارةِ إلى الإنكارِ عليَّ (وَقَالَ) ابنُ أبي ليلى‼: (لَكِنَّ عَمَّهُ) يعني: ابنَ مسعودٍ، ولأبي ذرٍّ: ”لكنْ عمَّه“ بتخفيف النون (لَمْ يَقُلْ ذَاكَ) قال ابنُ سيرينَ: (فَلَقِيتُ) بكسر القاف (أَبَا عَطِيَّةَ مَالِكَ بْنَ عَامِرٍ) الهَمذانيَّ الكُوفيَّ التَّابعي (فَسَأَلْتُهُ) عن ذلك تثبيتًا (فَذَهَبَ) مالك (يُحَدِّثُنِي حَدِيثَ سُبَيْعَةَ) مثل ما حدَّث به عبدُ الله بنُ عُتبة عنها، ولأبي ذرٍّ: ”بحديثِ سُبيعة“ (فَقُلْتُ) له، أي: ليستخرِج(3) ما(4) عندهُ في ذلك عن ابنِ مسعودٍ، لما وقع من التَّوقف فيما أخبرَ بهِ ابنُ أبي ليلى عنه: (هَلْ سَمِعْتَ عَنْ عَبْدِ اللهِ) بنِ مسعودٍ (فِيهَا شَيْئًا؟ فَقَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللهِ) بنِ مسعود (فَقَالَ: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظَ) أي: طولَ العدَّة بالحملِ إذا زادتْ مدَّته على مدَّة الأشهرِ (وَلَا تَجْعَلُونَ عَلَيْهَا الرُّخْصَةَ) إذا وضعتْ لأقلَّ من أربعةِ أشهرٍ وعشر؟ (لَنَزَلَتْ) أي: والله لنزلت، فهو جواب قسمٍ محذوفٍ (سُورَةُ النِّسَاءِ القُصْرَى) سورة الطَّلاق (بَعْدَ الطُّولَى) البقرة ({وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق:4]) بعد قوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة:234] وهو عامٌّ في كلِّ من ماتَ عنها زوجها، يشملُ الحامل وغيرها، وآيةُ سورةِ الطَّلاق شاملةٌ للمطلَّقة والمتوفَّى عنها زوجها، لكن حديث سُبيعة نصٌّ بأنَّها تحلُّ بوضعِ(5) الحملِ، فكان فيها بيانُ المراد بقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} أنَّه / حقُّ من لم تضعْ، وإلى ذلكَ أشار ابنُ مسعودٍ بقولهٍ: إنَّ آية الطَّلاق نزلت بعد آية البَقرة. وليس مرادُه أنَّها ناسخةٌ لها، بل مرادُه أنَّها مخصِّصةٌ لها، فإنَّها أَخْرجت منها بعضَ متناولاتِه(6).


[1] في (د): «التحتية».
[2] قوله: «له»: ليست في (ص).
[3] في (د): «استخرج».
[4] في (م): «له من».
[5] في (م): «بعد وضع».
[6] قوله: «فإنها أخرجت منها بعض متناولاته»: ليست في (د).