إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بايعنا رسول الله فقرأ علينا: {أن لا يشركن بالله شيئًا}

          4892- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) عبدُ الله بنِ عمرٍو المقعدُ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) ابنُ سعيدٍ التَّنُّوريُّ _بفتح الفوقية وتشديد النون_ قال: (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) السَّخْتِيَانيُّ (عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ) أمِّ الهُذيل، الأنصاريَّة البصريَّة (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) نُسيبة بنتِ الحارث ( ♦ ) أنَّها (قَالَتْ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صلعم فَقَرَأَ عَلَيْنَا: {أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا}[الممتحنة:12] وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ) رفع الصَّوت على الميِّت بالنَّدب، وهو عدُّ محاسنهِ كـ: وَاكهفاهُ واجبلاهُ (فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ) هي أمُّ عطيَّة (يَدَهَا) عن المبايعةِ (فَقَالَتْ: أَسْعَدَتْنِي فُلَانَةُ) أي: قامتْ معي في نياحةٍ على ميِّتٍ لي تواسِيني. قال الحافظُ ابنُ حجرٍ: لم أقفْ على اسمِ فلانةٍ (أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا) بفتح الهمزة وسكون الجيم وكسر الزاي المعجمة، بالإسعاد (فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلعم شَيْئًا) بل سكت (فَانْطَلَقَتْ) من عنده (وَرَجَعَتْ) إليه ╕ (فَبَايَعَهَا) وللنَّسائيِّ: قال: «فاذهَبي(1) فأسعدِيها(2)». قالت: فذهبت فساعدتها / ، ثمَّ جئتُ فبايعتُه، وعند مسلمٍ: أنَّ أمَّ عطيَّة قالت: إلَّا آل فلانٍ، فإنَّهم كانوا أسعدُوني في الجاهليَّة، فلا بدَّ لي من(3) أن أسعدَهُم، فقال رسولُ الله صلعم : «إلَّا آل فلانٍ» وحمله النَّوويُّ على التَّرخيص(4) لأمِّ عطيَّة في آلِ فلانٍ خاصَّة، قال: فلا تحلُّ النِّياحة لغيرِها، ولا لها في غيرِ آل فلانٍ، كما هو صريحُ الحديث، وللشَّارع أن يخصَّ من العموم ما شاء. انتهى.
          وأُوردَ عليه حديث ابنِ عبَّاسٍ عندِ ابن مَرْدويه، وفيه(5) قال: لمَّا أخذ رسولُ الله صلعم على النِّساء فبايعهنَّ {أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا} الآية. قالت خولةُ بنت حكيمٍ: يا رسولَ الله، كانَ أبي وأخي ماتَا في الجاهليَّة، وإنَّ فلانةً أسعدَتْني وقد ماتَ أخوها... الحديث. وحديثُ أمِّ سلمةَ أسماءَ بنتِ يزيدٍ الأنصاريَّة عند التِّرمذيِّ، قالت: قلتُ: يا رسولَ الله، إنَّ بني فلانٍ أسعدوني على عمِّي، ولا بدَّ لي من قضائهنَّ، فأبى، قالت: فراجعتُه مرارًا فأذنَ لي، ثمَّ لم أنُح بعد ذلك.
          وعندَ أحمد والطَّبري(6) من طريقِ مصعب بنِ نوحٍ، قال: أدركتُ عجوزًا‼ لنا(7) فيمن بايعَ رسولَ الله صلعم قالتْ: فأخذَ علينا، ولا تَنُحْنَ، فقالت عجوزٌ: يا نبيَّ اللهِ، إنَّ ناسًا كانوا أسعَدونا على مصائب أصابَتْنا، وإنَّهم قد أصابتْهُم مُصيبة، فأنا أريدُ أن أسعدهُم، قال: «اذْهَبي فكافئِيهم» قالت: فانطلقتُ فكافأتُهم، ثمَّ إنَّها أتت فبايعته. وحينئذٍ فلا خصوصيَّة لأمِّ عطيَّة، والظَّاهر أنَّ النِّياحة كانت مباحة، ثمَّ كُرهت كراهةَ تنزيهٍ، ثمَّ تحريمٍ، فيكون الإذنُ لمن ذُكِر وقعَ لبيانِ الجواز مع الكراهة، ثمَّ لما تمَّت مبايعةُ النِّساء وقعَ التَّحريم فوردَ حينئذٍ الوعيدُ الشَّديد.
          وفي حديثِ أبي مالكٍ الأشعريِّ عندَ أبي يعلى: أنَّ رسولَ الله صلعم قال: «النَّائحةُ إذا لم تتبْ قبلَ موتِها تقامُ يوم القيامةِ عليها سِرْبالٌ من قَطِران ودِرْعٌ من جَرَب».
          وهذا الحديثُ أخرجه أيضًا في «الأحكام» [خ¦7215].


[1] في (د): «اذهبي» لفظ النسائي: «فأسعديها».
[2] في غير (د): «فساعديها» والمثبت موافق لما في النسائي.
[3] قوله: «من»: ليس في (د).
[4] في (ص): «التخصيص».
[5] قوله: «وفيه»: ليست في (ص) و(م) و(د).
[6] في (د): «والطبراني».
[7] في (د) زيادة: «كانت»، وكذا في «الفتح».