إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد: يا أهل الجنة

          4730- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ) بالغين المعجمة والمثلَّثة آخره، النَّخعيُّ الكوفيُّ / قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفصُ بنُ غياثِ بنِ طَلْقِ بنِ معاويةَ قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمانُ بن مهرانَ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ) ذكوانُ السَّمَّان (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ) وفي نسخة: ”قال النَّبيُّ“(1) ( صلعم : يُؤْتَى بِالمَوْتِ) الذي هو عَرَض مِن الأعراض، جِسْمًا (كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ) بالحاء المهملة، فيه بياضٌ وسوادٌ، لكن سواده أقلُّ (فَيُنَادِي مُنَادٍ) لم يُسَمَّ: (يَا أَهْلَ الجَنَّةِ؛ فَيَشْرَئِبُّونَ) بفتح التَّحتيَّة وسكون الشِّين المعجمة وفتح الراء وبعد الهمزة المكسورة موحَّدة مشدَّدة فواوٌ ساكنة فنونٌ آخره، أي: يمُدُّون أعناقَهم ويرفعون رؤوسَهم (وَيَنْظُرُونَ) وعند ابن حِبَّان في «صحيحه» وابن ماجه عن أبي هريرة: «فيطلعون خائفينَ أن يُخرجوا من مكانهم الذي هم فيه» (فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ) أي: وعرفه بما يُلقيه اللهُ في قلوبهم أنَّه الموت (ثُمَّ يُنَادِي) أي: المنادي (يَا أَهْلَ النَّارِ؛ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ) وعند ابن حِبَّان وابن ماجه: «فيطلعون فرِحينَ مستبشرينَ أن يُخرجوا من مكانهم الذي هم فيه» (فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟‼ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، هَذَا المَوْتُ، وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ، فَيُذْبَحُ) وفي «باب صفة الجنَّة والنَّار» من «كتاب الرِّقاق» [خ¦6548]: «جيء بالموت حتى يُجعَلَ بين الجنَّة والنَّار ثمَّ يُذبَح» وعند ابن ماجه: «فيُذبح على الصراط» وعند التِّرمذيِّ في «باب خلود أهل الجنَّة» من حديث أبي هريرة: «فيُضجَعُ فيُذبح ذبحًا(2) على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار» وفي «تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي» أحد الضعفاء، في آخر حديث الصور(3) الطَّويل: أنَّ الذابحَ له جبريلُ ◙ ، كما نقله عنه الحافظ ابنُ حَجَرٍ، وذكر صاحب «خلع النَّعلين» فيما(4) نقله في «التَّذكرة»: أنَّ الذابح له يحيى بن زكريا بين يدي النَّبيِّ صلعم ، وقال قومٌ: المذبوحُ متولِّي الموت وكلّهم يعرفُه؛ لأنَّه الذي تولَّى قبض أرواحِهِم في الدنيا(5).
          فإن قلت: ما الحكمةُ في مجيء الموت في صورة الكبش دون غيره؟ أجيبَ بأنَّ ذلك إشارةٌ إلى حصول الفِداء لهم به، كما فُدي ولدُ الخليل بالكبش، وفي الأملح إشارةٌ إلى صفتي أهل الجنَّة والنار (ثُمَّ يَقُولُ) ذلك المنادي: (يَا أَهْلَ الجَنَّةِ خُلُودٌ) أبدَ الآبدين (فَلَا(6) مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ) أبدَ الآبدين (فَلَا(7) مَوْتَ) و«خلودٌ» إمَّا مصدرٌ، أي: أنتم خلودٌ، ووصف بالمصدر للمبالغة، كرجل عدل، أو جمعٌ، أي: أنتم خالدون، زاد في «الرِّقاق» [خ¦6548]: «فيزدادُ أهلُ الجنَّة فرحًا إلى فرحِهِم، ويزدادُ أهل النَّار حُزنًا إلى حُزنِهِم» وعند التِّرمذيِّ: «فلو أنَّ أحدًا مات فرحًا لَمَات أهلُ الجنَّة، ولو أنَّ أحدًا مات حُزنًا لمات أهل النَّار» (ثُمَّ قَرَأَ) النَّبيُّ صلعم أو أبو سعيد: ({وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}) الخطابُ للنَّبيِّ صلعم ، أي: أنذر جميع النَّاس ({ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ}) أي: فُصِلَ بين أهل الجنَّة والنَّار، ودخل كلٌّ إلى ما صار إليه مخلَّدًا فيه ({وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ}) أي: (وَهَؤُلَاءِ فِي غَفْلَةٍ) أي: (أَهْلُ الدُّنْيَا) إذِ الآخرةُ ليست دارَ غفلةٍ ({وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}[مريم:39]) نفى عنهم الإيمانَ على سبيل الدوام، مع الاستمرار في الأزمنة الماضية والآتي على سبيل التأكيد والمبالغة.
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ في «صفة النَّار»، والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ في «التَّفسير».


[1] «وفي نسخة قال النبي»: سقط من (د).
[2] «ذبحًا»: ليس في (م).
[3] غير في (د): «السور».
[4] في (ص): «في»، وزيد في (د): «عنه».
[5] قوله: «وقال قومٌ: المذبوحُ متولِّي الموت وكلّهم يعرفُه؛ لأنَّه الذي تولَّى قبض أرواحِهِم في الدنيا»، سقط من (د).
[6] في (م): «بلا».
[7] هو كسابقه.