الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام

          ░157▒ (باب: مُكْث الإمَام فِي مُصَلَّاه بَعْدَ السَّلام)
          وهذه التَّرجمة هي الثَّانية مِنَ التَّراجم الأربعة.
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: قصد بذلك إثبات أنَّ ما ورد في النَّهي عنه، فإنَّما هو تنزُّه وأدب، ومع ذلك فلو صلَّى هناك فإنَّ صلاته جائزة صحيحة، والاستدلال بالرِّواية على هذا المُدَّعى ظاهر. انتهى.
          وفي «هامشه»: حاصل ما أفاده الشَّيخ أنَّ التَّطوُّع في موضع الفرض جائز لا بأس به، وما ورد مِنَ النَّهي أدب وبيان للأَولى، وعلى هذا فالتَّرجمة مستأنفة لا تَعَلُّق لها بما سبق، والأوجه عند هذا العبد الضَّعيف أنَّها متعلِّقة بما سبق كالثَّالثة والرَّابعة، والغرض أنَّ ما تقدَّم مِنِ استقبال القوم ليس بواجب حتَّى لو مكث على حاله مستقبلَ القبلة فهو جائز، وعلى هذا ذكر التَّطوُّع في مكانه استطراد، لأنَّه أيضًا يكون مستقبل القبلة.
          وشرح الحافظ هذه التَّرجمة بوجه آخر إذ قال: (باب: مكث الإمام...) إلى آخره، أي: بعد استقبال القوم، فيلائم ما تقدَّم، ثمَّ إنَّ المكث لا يتقيَّد بحال مِنْ ذكر أو دعاء أو تعليم أو صلاةِ نافلةٍ، ولهذا ذكر في الباب مسألة تطوُّع الإمام في مكانه(1). انتهى.
          وأنت خبير بأنَّ تقدير المكث بعد الانحراف بهذا المقدار مشكلٌ، فإنَّ الوارد في الرِّوايات مِنَ الأدعية دبر الصَّلاة يزيد على هذا المقدار بكثير. انتهى.
          وقال العينيُّ: هذا باب في بيان مكث الإمام ولم يبيِّن البخاريُّ حكمه، هل هو مستحبٌّ أو مكروه لأجل الاختلاف فيه بين السَّلف؟ فأكثر العلماء على كراهته إلَّا أن يكون مكثه لعلَّة، وهو قول الشَّافعيِّ وأحمد، وقال أبو حنيفة: كلُّ صلاة يُتنفَّل بعدها يقوم، وما لا يُتنفَّل بعدها كالعصر والصُّبح فهو مخيَّر، وقال أبو محمَّد مِنَ المالكيَّة: ينتقل في الصَّلوات كلِّها ليتحقَّق المأموم أنَّه لم يبق عليه شيء مِنْ سجود السَّهو ولا غيره(2). انتهى.
          ثمَّ التَّطوُّع في المكان الَّذِي صلَّى فيه الفريضةَ ظاهرُ صنيعِ البخاريِّ أنَّه لا بأس بذلك عنده، قال العينيُّ: الجمهور على أنَّ الإمام لا يتطوَّع في مكانه الَّذِي صلَّى فيه الفريضة، وكرهه ابن عمر للإمام، ولم ير به بأسًا لغيره، وعن القاسم أنَّ الإمام إذا سلَّم فواسعٌ أن يتنفَّل(3) في مكانه، وذكر ابن التِّين أنَّه قول أشهب. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع» مختصرًا.


[1] فتح الباري:2/335
[2] أنظر عمدة القاري6/138
[3] في (المطبوع): ((ينتقل)).