الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الذكر بعد الصلاة

          ░155▒ (باب: الذِّكْر بَعْدَ الصَّلاة)
          سكتوا عن غرض المصنِّف بذلك، ويحتمل عندي أن يكون غرضه الرَّدَّ على مَنْ كره الفصل بين المكتوبات والرَّواتب بالأوراد، وحمل الرِّوايات الواردة في ذلك على الفراغ مِنَ الرَّواتب، كما بَسط البحثَ في ذلك شارح «المنية» وغيره، ويحتمل أيضًا في غرض التَّرجمة أنَّه أراد بذلك دفع ما تَوَهَّم به بعض الخلف مِنْ أنَّ الأدعية الواردة في دبر الصَّلاة محمولة على ما قبل السَّلام، قال ابن القيِّم: دبر الصَّلاة يحتمل قبل السَّلام وبعده، وكان شيخنا يرجِّح أن يكون قبل السَّلام، فراجَعْتُه فقال: دبر كلِّ شيء منه كدبر الحيوان. انتهى.
          ولذا ترجم الإمام بلفظ الذِّكر بعد الصَّلاة، وأورد فيه حديث الدُّبر أيضًا تنبيهًا على أنَّ المراد منه بعد الصَّلاة، ويحتمل أيضًا أنَّ الإمام أشار بلفظ الذِّكر في التَّرجمة وإيراده حديث ابن عبَّاس ☺ بلفظ التَّكبير، إلى أنَّ المراد منه مطلق الذِّكر لا تخصيص التَّكبير، ولذا فسَّر الكرمانيُّ قول ابن عبَّاس في الحديث بالتَّكبير، أي: بذكر الله. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          وبسط فيه الكلام على حديث الباب أشدَّ البسط.
          وممَّا يجب التَّنبيه عليه أنَّ رفع الأيدي في الدُّعاء بعد الصَّلوات المكتوبة أنكره بعض العلماء، وليس بوجيه، فإنَّه ثابت في الرِّوايات الكثيرة، كما بسط في «إعلاء السُّنن» للشَّيخ التَّهانويِّ، و«آثار السُّنن» للعلَّامة النَّيمويِّ(1)، ومحمَّد الزَّبيديِّ في «رسالة رفع اليدين بعد الصَّلاة» المطبوعة على آخر «المنتقى» طبع في الهند، ولشيخنا التَّهانويِّ فيها رسالة وجيزة مسمَّاة: بـ«استحباب الدَّعوات عقيب الصَّلوات»، وفيها عن ابن السُّنِّي في عمل اليوم واللَّيلة برواية أنس مرفوعًا: ((ما مِنْ عبد يبسط كفَّيه في دبر كلِّ صلاة يقول: اللَّهمَّ))(2)... الحديث، وفيها عن «ميزان الاعتدال» أنَّه حديث ضعيف، لكنَّه يُعمل به في الفضائل، ويقويِّه ما أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» عن الأسود العامريِّ عن أبيه قال: ((صلَّيت مع رسول الله صلعم الفجر، فلمَّا سلَّم انحرف ورفع يديه ودعا)(3)... الحديث، ولا يخفى أنَّ أئمَّة الحديث ذكروا أنَّ رواية الضَّعيف مع الضَّعيف توجب الارتفاع مِنْ درجة السُّقوط إلى درجة الاعتبار.
          وقال السُّيوطي في: «فضُّ الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدُّعاء»: وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن الزُّبير في حديث طويل: ((أنَّ رسول الله صلعم لم يكن يرفع يديه حتَّى يفرغ مِنْ صلاته))، رجاله ثقات(4). انتهى.
          وذكر فيها أقوال العلماء عن نصوص الأئمَّة الأربعة، ثمَّ قال: فتحصَّل مِنْ ذلك كلِّه أنَّ الدُّعاء دبر الصَّلوات مسنون ومشروع في المذاهب الأربعة.


[1] النيموي، ظهير أحسن بن سبحان علي الحنفي النيموي العظيم آبادي، العالم الفقيه أحد العلماء المبرزين في الفقه والحديث، صنف آثار السنن وهو كتاب نادر غريب، ثمَّ علق عليه تعليقًا حسنًا سماه التعليق الحسن على آثار السنن ثمَّ علق على هذا التعليق تعليقًا سماه بتعليق التعليق، وأوشحة الجيد في تحقيق الاجتهاد والتقليد. توفي نحو سنة 1325 هـ (نزهة الخواطر:8/1256).
[2] أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال في الدعاء، النوع الثَّاني أدعية بعد الصَّلاة، (رقم: 3476).
[3] ورد في مصنف ابن أبي شيبة في الصَّلاة، من كان يستحب إذا سلم أن ينحرف أو يقوم، (رقم: 3093) دون قوله: ورفع يديه ودعا . وقد بحثت مسألة رفع اليدين في الدعاء في كتب الفروع ومطولات المذاهب وذاك موضعها، وكذلك مسألة العمل بالحديث الضعيف، فلنختصر هنا حتَّى لا نطيل ونخرج عن موضوع الأبواب الَّذِي نحن بصدده والله أعلم
[4] الحديث (رقم 42) في رسالته المذكورة