الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من لم ير التشهد الأول واجبا لأن النبي قام من الركعتين

          ░146▒ (باب: مَنْ لَم يَرَ التَّشَهُّد الأوَّل وَاجِبًا...) إلى آخره
          اعلم أنَّ الإمام البخاريَّ ترجم للتَّشهُّد ثلاثة أبواب:
          الأوَّل: هذا واستدلَّ له بأنَّه صلعم قام إلى الثَّالثة ولم يرجع إلى الجلوس، فلو كان فرضًا لا بد من الرُّجوع إليه، وهذا واضح جدًا، ولمَّا كانت المسألة كالإجماعيَّة جزم بالحكم فيها ولم يلتفت إلى الخلاف لشذوذه، كما بسط في «الأوجز» مِنْ أنَّ التَّشهدين معًا سنَّة مؤكَّدة عند مالك.
          ولا يذهب عليك أنَّ سجدة السَّهو عندهم يجب بترك السُّنن المؤكَّدة، وعن أحمد الإيجاب فيهما(1)، والصَّواب في مذهبه أنَّ التَّشهد الأوَّل واجب يبطل(2) الصَّلاة بتركه عمدًا، ويسجد للسَّهو(3) في السَّهو، والثَّاني ركن كما في «المغني»، وأمَّا عند الشَّافعيِّ فالتَّشهُّد الثَّاني عنده مِنَ الأركان، والأوَّل مِنَ الأبعاض الَّتي تجبر بسجدة السَّهو، وعندنا _الحنفيَّة_ الثَّاني واجب وكذا الأوَّل في ظاهر الرِّواية، وقيل: الأوَّل سنَّة، والمعروف [في المتون] الأوَّل، والواجب عندنا ما يجبر بسجدة السَّهو، إذا عرفت ذلك فظهر لك أنَّ ترجمة الإمام توافق الأئمَّة الأربعة، فإنَّه لم يقل أحد منهم إنَّه فرض وركن مِنْ أركان الصَّلاة، وما حُكِيَ عنهم مِنَ الوجوب في ذلك كالحنفيَّة والحنابلة فهو وجوب دون وجوب، فالنَّفي في التَّرجمة عن الوجوب الَّذِي بمعنى الفرض.
          لكن بقي حينئذ أنَّه إذا لم يكن ركنًا وفرضًا فماذا حكمه؟ فترجم لذلك التَّرجمةَ الثَّانية (باب: التَّشهُّد في الأولى) ولم يفصح في ذلك بحكمٍ على عادته المعروفة كما في الأصل الخامس والثَّلاثين، لكنَّه أتى فيها رواية تدلُّ على حكمه وهو وجوب سجدة السَّهو وهو مذهب الأئمة الأربعة، وإليه ميل البخاريِّ إذ أورد فيه / رواية سجود السَّهو.
          ثم لما كان حكم التشهد الآخر غير الأول عند الجمهور أفرد له ترجمة ثالثة، ولم يذكر فيها أيضا حكما على الأصل المذكور، لكنه ذكرها على نسق الترجمة الثانية، إشارة منه إلى أن حكمها(4) عنده واحد، وأتى فيها رواية ألفاظ التشهد تجديدا وتكميلا للفائدة. انتهى ما في «هامش اللامع».


[1] في (المطبوع): ((فيها)).
[2] في (المطبوع): ((تبطل)).
[3] في (المطبوع): ((السهو)).
[4] في (المطبوع): ((حكمهما)).