الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب سنة الجلوس في التشهد

          ░145▒ (باب: سُنَّة الجُلوسِ في التَّشَهُّد)
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: وسنَّته عندنا للرَّجل في التَّشهدين غير ما هو سنَّة للمرأة فيهما.
          وقال العينيُّ: على قوله: (جِلْسَة الرَّجل): إنَّه المختار عند الحنفيَّة، ولا يصحُّ هذا إلَّا إذا أريد بجلسة الرَّجل جِلسته على ما ذهب إليه أصحاب التَّورُّك، فإنَّ جِلسته عند هؤلاء يقارب جلسة المرأة عندنا، والله أعلم. انتهى.
          وفي «هامشه» بعد نقل عبارة العينيِّ: والظَّاهر عندي أنَّ في عبارة العيني سقوطًا مِنَ الكاتب، لأنَّ ذلك الكلام يخالفه كلام العينيِّ بنفسه / فيما سيأتي قريبًا مِنْ قوله: وأمَّا جلوس المرأة فهو التَّورُّك عندنا. انتهى.
          واعلم أنَّ هاهنا مسألتين:
          أحدهما(1): التَّفريق بين جِلْسَة الرَّجل والمرأة، فالتَّفريق بينهما مسلك الحنفيَّة والحنابلة، بخلاف المالكيَّة والشَّافعية فإنَّهم لم يفرِّقوا بينهما.
          والمسألة الثَّانية: سنَّة الجلوس، فعندنا الافتراش مطلقًا في جميع الصَّلوات، والتَّورُّك مطلقًا عند مالك، وأمَّا عند الشَّافعيِّ وأحمد فالجمع بينهما بأنَّ السُّنَّة عند الشَّافعيَّة في الجلسات بين الصَّلاة كالحنفيَّة، وفي الجلسة الأخيرة كالمالكيَّة، وعند أحمد: الافتراش في الجلسات كلِّها كالحنفيَّة إلَّا في صلاة فيها تشهُّدان فيتورَّك في الثَّاني منهما، والإمام البخاريُّ ترجم بسنُّة الجلوس ولم يحكم في التَّرجمة بشيء، بل ذكر فيها الروايتين، فالظَّاهر أنَّ التَّرجمة على الأصل الرَّابع مِنْ أصولِ التَّراجم، ويحتمل أن يكون مِنَ الأصلِ الخامس والثَّلاثين.
          قال الحافظ: قال ابن المُنَيِّر: ضمن هذه التَّرجمة ستَّة أحكام وهي:
          1- أنَّ هيئة الجلوس غير مطلق الجلوس.
          2- والتَّفرقة بين الجلوس للتَّشهُّد الأوَّل والأخير.
          3- وبينهما وبين الجلوس بين السَّجدتين.
          4- وأنَّ ذلك كلَّه سنَّة.
          5- وألَّا فرق بين الرِّجال والنِّساء.
          6- وأنَّ ذا العلم يحتجُّ بعمله. انتهى.
          قال الحافظ: وهذا الأخير إنَّما يتم إذا ضمَّ أثر أمِّ الدَّرداء إلى التَّرجمة(2). انتهى.
          والظَّاهر عندي أنَّ غرضه مِنْ أثرها ألَّا فرق بين ذلك في الرِّجال والنِّساء كما قال به الشافعية، وفي «تقرير المكِّي»
          قوله: (فقيهة) فعلم أنَّ جِلْسَة الرَّجل للمرأة أيضًا جائز، وهو الغرض للبخاريِّ. انتهى.
          ثمَّ اختلفوا في أنَّ أمَّ الدَّرداء هذه كبيرة أو صغيرة؟ أمَّا الكبيرة فهي صحابيَّة اسمها خَيْرَة بنت أبي حَدْرَد(3)، والصَّغيرة تابعيَّة اسمها هُجَيْمَة(4)، واختلفوا أيضًا في أنَّ قوله: (وكانت فقيهة) مِنْ قول البخاريِّ أو مِنْ كلام مكحول؟... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع»، فارجع إليه لو شئت.


[1] في (المطبوع): ((إحداهما)).
[2] فتح الباري:2/305
[3] أم الدرداء الكبرى زوجة أبي الدرداء، اسمها خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي، والصحبة لها، وكانت من فضلاء النساء وعقلائهن وذوات الرأي منهن مع العبادة والنسك. توفيت قبل أبي الدرداء بسنتين، وكانت وفاتها بالشام في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعا. (الاستيعاب في معرفة الاصحاب:4/1934)، (أسد الغابة:7/100).
[4] أم الدرداء الصغرى، هجيمة الحميرية وقيل جهيمة، الأوصابية، الحميرية، الدمشقية، روت علما جما عن زوجها؛ أبي الدرداء وعن سلمان الفارسي، وعائشة، وأبي هريرة، طال عمرها واشتهرت بالعلم والعمل والزهد، كان عبد الملك بن مروان كثيرا ما يجلس إلى إليها في مؤخر المسجد بدمشق، وقيل حجت في سنة إحدى وثمانين.(سير أعلام النبلاء4/277، رقم الترجمة100)