الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب فضل من خرج إلى المسجد ومن راح

          ░37▒ (باب: فَضْل مَنْ خَرَجَ إلَى المَسْجِد ومَنْ رَاح)
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: لعلَّ المراد بالغَدْوَة والرَّوْحَة إذا كانتا لفريضةٍ، وإلَّا فالأفضل في التَّطوُّع أن يكون في البيت. انتهى.
          وفي «هامشه»: ممَّا يجب التَّنبيه عليه:
          أوَّلا: أنَّ الإمام البخاريَّ عقَّب هذه التَّرجمة بالحديث السَّابق وفيه: (رَجُلٌ قَلْبُه مُعَلَّقٌ بالمسجد) فكأنَّه أشار إلى أنَّ ثمرة تعليق القلب بالمسجد كثرة التَّردُّد إلى المسجد.
          وثانيا: أنَّ الإمام عَدَل في التَّرجمة عن لفظ الحديث، فإنَّ الحديث كان بلفظ: (غدا أو(1) راح)، وهما المشي صباحًا ومساءً، وترجم عليه الإمام البخاريُّ بلفظ: (خرج وراح)، والخروج عامٌّ لا يقابله الرَّواح في المعنى المشهور، فأبدع المصنِّف في ذلك عندي نكتةً بديعةً، وهي أنَّه أشار بلفظ (خرج) في التَّرجمة إلى أنَّ لفظ غدا في الحديث ليس بمعنى المشي صباحًا، بل المراد منه المشي مُطْلَقًا في أيِّ وقتٍ كان.
          ولفظ التَّرجمة / في «الفتح»: <باب: فَضْل مَنْ غَدَا إلى المَسْجِد ومَنْ رَاح>، قال الحافظ: هكذا للأكثر موافقًا للفظ الحديث، ولأبي ذرٍّ بلفظ: <خرج> بدل (غدا)، وعلى هذا المراد بالغُدُوِّ الذَّهابُ، وبالرَّواح الرُّجوعُ. انتهى.
          قلت: هذا هو اللَّائق بدقائق البخاريِّ، فكأنَّه أشار بذلك إلى تقوية معنى حديث أبي داود عن أُبَيِّ بن كَعْبٍ في قصَّة رجلٍ بعيدِ الدَّار عن المسجد، قال: ((ما أحبُّ أنَّ منزلي إلى جنب المسجد، فنُمِي الحديث إلى رسول الله صلعم فسأله عن ذلك، فقال: أردت يا رسول الله أنْ يُكْتَب لي إقبالي إلى المسجد ورُجُوعي إلى أهلي إذا رَجَعت، فقال: أعْطَاك الله ذلك كُلَّه، أنْطَاكَ الله ما احتسبت كُلَّه أجمع))(2). انتهى.


[1] في (المطبوع): ((و)).
[2] سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب فضل المشي إلى الصلاة، (رقم 557).