الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة

          ░91▒ (باب: رفْع البَصَر إلى الإِمَام فِي الصَّلاة)
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: في الباب الآتي: (باب: رفع البصر إلى السَّماء...) إلى آخره لمَّا كان جواز الرَّفع إلى الإمام، يجوز الرَّفع إلى السَّماء لكونهما(1) متقاربين، وفي جهة دفع ذلك بأنَّ مناط الجواز هو الحاجة وإصلاح الصَّلاة، لكنَّ الغالب في رفع البصر إلى الإمام لما كان هو الإصلاح وفي رفعه إلى السَّماء غيره أطلق الأمر والنَّهي فيهما، مع أنَّ الرَّفع إلى السَّماء لو كان مفيدًا كالنَّبيِّ صلعم حين انتظر تحويل القبلة جاز، والرَّفع إلى الإمام لو لم يكن مفيدًا كمن أخذ ينظر إلى ثوبه وعمامته لم يكن جائزًا، ثمَّ إنَّ رفع البصر إلى الإمام قد يجب لعارض كالأصمِّ ائتمَّ بغيره، فإنَّه لا بدَّ له مِنَ الرَّفع إلى إمامه ليكون مِنْ حاله على بصيرة سيَّما إذا لم يكن معه غيره. انتهى.
          وفي «هامشه»: ظاهر كلام الشَّيخ أنَّه حمل البابين على الجواز والكراهة، وهو ظاهر سياق البابين، لأنَّه ذكر في الأوَّل رفع البصر إلى الإمام، وفي الثَّاني رفعه إلى السَّماء على منوال واحد، ولمَّا ذكر في الأوَّل روايات الإباحة وفي الثَّاني روايات الكراهة، فكلام الشَّيخ قُدِّس سرُّه واضح جدًّا، لكنَّ الأوجه عندي أنَّ الإمام البخاريَّ أشار في الباب الأوَّل إلى مسألة خلافيَّة لكونها أجدر بتراجم البخاريِّ، وهي ما قال الحافظ: قال ابن بطَّالٍ: فيه حجَّة لمالك أنَّ نظر المصلِّي يكون إلى جهة القبلة، وقال الشَّافعيُّ والكوفيُّون: يستحبُّ أن ينظر إلى موضع سجوده لأنَّه أقرب إلى الخشوع. انتهى.
          وهو مذهب أحمد، كما في «المغني».
          وأمَّا المسألة الثَّانية وهي التي أشار إليها بالباب الثَّاني وهي النَّظر إلى السَّماء، فقد قال ابن بطَّالٍ: أجمعوا على كراهة رفع البصر في الصَّلاة، واختلفوا فيه خارج الصَّلاة في الدُّعاء، فكرهه شريح وطائفة، وأجازه الأكثرون.
          قال الحافظ: وأفرط ابن حزم فقال: يبطل(2) الصَّلاة... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».
          وفي «تراجم شيخ المشايخ»: عقد هذا الباب لِما تقرَّر أنَّ الأولى أن ينظر المصلِّي في صلاته إلى موضع سجوده، ومع ذلك لو رأى إلى إمامه ولم ينظر إلى ذلك الموضع لم تفسد عليه صلاته، والحديث المعلَّق مناسبته بترجمة الباب باعتبار أنَّه يدلُّ على أنَّه صلعم نظر قدَّامه في صلاته ولم ينظر إلى موضع سجوده، فيقاس عليه المأموم إذا نظر إلى إمامه، وقد مرَّ غير مرَّة أنَّ البخاريَّ ربَّما يعقد التَّرجمة لأمر خاصٍّ مِنْ بين العامِّ مع أنَّ مرداه إثبات ذلك العامِّ. انتهى مختصرًا.
          وهذا هو الأصل الثامن عشر من أصول التراجم.


[1] في (المطبوع): ((لكونها)).
[2] في (المطبوع): ((تبطل)).