الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة

          ░143▒ (باب: كَيْفَ يَعْتَمِد عَلى الأَرْضِ...)
          وهذا السَّادس مِنَ الأبواب المبدوءة بلفظ: (كيف).
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع» تحت قوله: (وإذا رفع رأسه في السَّجدة الثَّانية...) إلى آخره: هذا بيان لكيفيَّة الاعتماد، وأنَّه بعد رفع الرَّأس مِنَ السَّجدة وبعد الجلوس، وأنَّه على الأرض لا على شيء مِنْ جسده، فكان موافقًا للتَّرجمة. انتهى.
          وفي «هامشه»: هذا توجيه لمطابقة الحديث بالتَّرجمة، فإنَّهم أوردوا على الحديث بأنَّه لا يوافق التَّرجمة، قال الحافظ: إن قيل: ترجم على كيفيَّة الاعتماد، وفي الحديث إثبات الاعتماد فقط، أجاب الكرمانيُّ بأنَّ بيان الكيفيَّة مستفاد مِنْ قوله: جلس واعتمد على الأرض ثمَّ قام، فكأنَّه أراد بالكيفيَّة أن يقوم معتمدًا عن جلوس لا عن سجوده، وقيل: يستفاد مِنَ الاعتماد، وأنَّه يكون باليد، لأنَّه افتعال مِنَ العماد، والمراد: به الاتِّكاء وهو باليد. انتهى.
          ولا يبعد عندي أنَّ غرض المصنِّف بالتَّرجمة ليس بيانَ الكيفيَّة، بل ذكر لفظ: (كيف) تنبيهًا على اختلافهم في بيان كيفيَّة الاعتماد، وغرض التَّرجمة إثبات الاعتماد على الأرض عند النُّهوض، كما نبَّهت على ذلك في مقدِّمة «اللَّامع» مِنْ أنَّ الإمام البخاريَّ طالما يشير بلفظ: (كيف)، إلى مجرَّد الاختلاف في الكيفيَّة بدون إثبات الكيفيَّة، ومسألة الاعتماد على الأرض عند النُّهوض عن السُّجود أو التَّشهُّد أيضًا خلافيَّة شهيرة، والمعروف على ألسنة المشايخ أنَّ الاعتماد على الأرض عند النُّهوض يستحبُّ عند الشَّافعيِّ ومالك، ولا يستحبُّ عند الحنفيَّة، وليس كذلك، بل الاعتماد على الأرض مندوب عند الشَّافعيِّ فقط دون الأئمَّة الثَّلاثة.
          ذكر صاحب «السِّعاية»: ذكر الفقيهُ المالكيُّ ابن أبي زيد في رسالته: تسجد للثَّانية كما فعلت أوَّلًا، ثمَّ تقوم مِنَ الأرض كما أنت معتمدًا على يديك لا ترجع جالسًا لتقوم مِنَ جلوس. انتهى.
          وظاهر(1) أنَّ مذهب مالك في الاعتماد مثل مذهب الشَّافعيِّ، وفي الجلسة / مثل مذهبنا، لكنَّ المشهور المحكيَّ عنه في كتب أصحابنا أنَّ مذهبه فيها كمذهبنا. انتهى كلام «السِّعاية».
          قلت: وهو كذلك ليس الاعتماد على الأرض مندوبًا مستقلًّا عند المالكيَّة، لكنَّ المستحبَّ عندهم في الرَّفع عن السَّجدة تقديمُ الرُّكبتين وتأخير اليدين، فيَتوهَّم مِنْ ذلك مَنْ توهَّم أنَّهم قائلون بندبيَّة الاعتماد على الأرض، ومذهب الحنفيَّة في ذلك ما في «الدُّر المختار» أنَّه يكبر للنُّهوض على صدور قدميه بلا اعتماد وقعود، قال ابن عابدين: قال في «الكفاية»: أشار به إلى خلاف الشَّافعيِّ في موضعين:
          أحدهما: يعتمد بيديه على ركبتيه عندنا وعنده على الأرض.
          والثَّاني: الجلسة الخفيفة. انتهى.
          وقال الموفق بعد ذكر القولين لأحمد في جلسة الاستراحة وعلى كلتا الروايتين ينهض إلى القيام على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه، قال القاضي لا يختلف قوله إنه لا يعتمد على الأرض سواء يجلس للاستراحة أو لا يجلس، وقال مالك والشافعي السنة أن يعتمد على يديه في النهوض. انتهى مختصرا من «هامش اللامع».


[1] في (المطبوع): ((وظاهره)).