الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب هل يصلي الإمام بمن حضر؟

          ░41▒ (باب: هل يصلِّي الإمام بمَنْ حَضَر؟...) إلى آخره
          غرض التَّرجمة واضحٌ، وهو أنَّ ما تقدَّم مِنْ قوله صلعم: (صَلُّوا فِي الرِّحَالِ) ليس على الإيجاب، بل على الإباحة، ونحو(1) ذلك قال جميع الشُّرَّاح.
          وفي «تراجم شيخ المشايخ»: مقصوده أنَّه يترك الجماعة والخطبة لعذر المطر، أو هل يصلِّي بالجماعة ويخطب بمَنْ حضر ولو كانوا قليلًا؟ انتهى.
          قلت: بقي هاهنا شيءٌ لم يتعرَّض له أحدٌ منهم، وهو أنَّ المصنِّف لِمَ قيَّد التَّرجمة بلفظ: (هل) الدَّالَّة على التَّردُّد؟
          والأوجه عندي أنَّه أشار بذلك إلى مسألةٍ خلافيَّةٍ شهيرةٍ، وهي أنَّ أصحاب الأعذار المرخَّصة للجماعة والجمعة هل تنعقد معهم الجمعة؟ وهل يعتبر بمحضرهم الخطبة أم لا؟ ولذا قارن الإمام البخاريُّ الصَّلاة بالخطبة.
          قال الموفَّق: ما كان شرطًا لوجوب الجمعة فهو شرطٌ لانعقادها، فمتى صلَّوا جمعةً مع اختلال بعض شروطها لم يصحَّ ولزمهم أن يصلُّوا ظهرًا، وحكى عن مالكٍ أنَّه كان لا يجعل المطر عذرًا في التَّخلُّف عنها، وقال أبو حنفية والشَّافعيُّ: يجوز [أن] يكون العبد والمسافر إمامًا فيها، ووافقهم مالكٌ في المسافر، فأمَّا المريض ومَنْ حبسه العذرُ مِنَ المطر والخوف فإذا تكلَّف حضورها وجبت عليه وانعقدت به، ويصحُّ أن يكون إمامًا فيها، لأنَّ سقوطها منهم إنَّما كان لمشقَّة السَّعي، فإذا تكلَّفوا وحضروا(2) في الجامع زالت المشقَّة، فوجبت عليهم كغير أهل الأعذار(3). انتهى.
          وعلى هذا فالتَّرجمة مِنَ الأصل الثَّاني والثَّلاثين مِنْ أصول التَّراجم نبَّه بلفظ: (هل) على أنَّ فيه مجالًا للنَّاظر. انتهى.
          والجزء الثَّاني للتَّرجمة أعني: قوله: (وهل يخطب يوم الجمعة في المطر؟) لعلَّ ثبوته بفعل ابن عبَّاسٍ، وقد عزاه إلى النَّبيِّ صلعم، وكونه في يوم الجمعة مصرَّحٌ في رواية ابن عُلَيَّة، كما صرَّح به الحافظ في (باب الكلام في الأذان).
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: قوله: (باب: هل يصلِّي الإمام بمَنْ حضر...) إلى آخره دلالة الرِّواية الأولى على هذا المعنى مِنْ حيث إنَّ ابن عبَّاسٍ لمَّا زاد في النِّداء قوله: (الصَّلاة فِي الرِّحَال) عمل بها بعضهم، فلم يحضر عملًا بالرُّخصة، ولم يعمل بها آخرون عملًا بالعزيمة، فحضروا فكان صلاته بهم، أي(4): الصَّلاة بمَنْ حضر، وأمَّا الرِّواية الثَّانية: فتثبت المُدَّعَى مِنْ حيث إنَّ أبا سعيدٍ الخُدْريَّ حضر الصَّلاة معه، فعلم حضور البعض، وقد علم أيضًا أنَّه كان يرخِّص / لهم في القعود فلا يحضرها بعضهم. انتهى مختصرًا.
          وفي «هامشه» قال الحافظ: مطابقة حديث أبي سعيدٍ مِنْ جهة أنَّ العادة في يوم المطر أن يتخلَّف بعض النَّاس، وأمَّا قول بعض الشُّرَّاح: يُحْتَمَل أن يكون ذلك في الجمعة فمردودٌ، لأنَّه سيأتي في الاعتكاف أنَّها كانت صلاة الصُّبح، وحديث أنسٍ لا ذكر للخطبة فيه، ولا يلزم أن يدلَّ كلُّ حديثٍ في الباب على كلِّ ما في التَّرجمة. انتهى.
          قلت: لا صراحة بالجماعة(5) في التَّرجمة، فلا حاجة لإبداء احتمالٍ أبداه بعض الشُّرَّاح، فإنَّ التَّرجمة (الصَّلاة بمَنْ حضر) مطلقًا بدون قيد الجمعة.


[1] في (المطبوع): ((وبنحو)).
[2] في (المطبوع): ((وحصلوا)).
[3] المغني لابن قدامة2/246، 252- 254.
[4] في (المطبوع): ((هي)).
[5] في (المطبوع): ((بالجمعة)).