الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما يقول الإمام ومن خلفه إذا رفع رأسه من الركوع

          ░124▒ (باب: ما يَقُول الإِمَام ومَنْ خَلْفَه...) إلى آخره
          في «تقرير المكِّي»: قوله في الحديث: (قال: اللَّهُمَّ رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ) يعني: جمع بينهما، وإذا جمع صلعم بينهما كان مَنْ خلفه أيضًا جمعهما، وكذا روي عن أبي حنيفة الجمع أيضًا في رواية، لكنَّ أكثر أحاديثه التَّقسيم، ولذلك صار التَّقسيم مذهبَه المشهور. انتهى.
          وتوضيح الخلاف في ذلك كما في «الأوجز» أنَّ المنفرد يجمع بينهما على المشهور عند الأئمَّة الأربعة حتَّى قال الحافظ: حكى الطَّحاويُّ وابن عبد البرِّ الإجماعَ عليه، وأمَّا الإمام فيأتي بهما عند الشَّافعيِّ وأحمد وأبي يوسف ومحمَّد، وقال أبو حنيفة ومالك: يأتي الإمام بالتَّسميع فقط، أمَّا(1) المؤتمُّ فيأتي بالتَّحميد فقط عند الجمهور خلافًا للشَّافعيِّ، إذ قال: يجمع بينهما، فإذا وضح ذلك فعامَّة الشُّرَّاح على أنَّ الإمام البخاريَّ وافق الشَّافعيَّ في ذلك، في أنَّ الإمام والمؤتمَّ كلُّ واحد منهما يجمع بينهما.
          ويَرِدُ على ذلك أنَّه ليس في الحديث ذكر المؤتمِّ، فأجابوا عنه بوجوه، قال الكَرْمانيُّ: دلالة الحديث عليه بانضمام: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)، وقال الحافظ: أجاب عنه ابن رُشيد: بأنَّه أشار إلى التَّذكير بالمقدِّمات لتكون الأحاديث عند الاستنباط نصب عيني المستنبط، فقد تقدَّم حديث: (إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ)، وحديث: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)، ويمكن أن يكون قاس المأموم على الإمام، لكنْ فيه ضعفٌ. انتهى.
          والأوجه عند هذا العبد الضَّعيف أنَّ الباب الآتي وهو (باب: فضل اللَّهمَّ ربَّنا ولك الحمد) جزء من الباب السَّابق على الأصل السَّادس مِنْ أصولِ التَّراجم، فحينئذ لا يرد أصلًا أنَّه لم يذكر في الباب ما يقول المؤتمُّ، ويؤيِّد ذلك أنَّ الحافظ قال أوَّلًا في: <باب: فضل اللَّهمَّ ربَّنا لك الحمد>، ثبت لفظ: باب، عند مَنْ عدا أبا ذرٍّ والأصيلي، والرَّاجح حذفه. انتهى.
          فيكون مسلك الإمام البخاريِّ في الإمام الجمع بينهما على مسلك الشَّافعيِّ ومَنْ وافقه، وأمَّا المؤتمُّ فيأتي بالتَّحميد فقط على مسلك الجمهور خلافًا للشَّافعيِّ، وعلى هذا يناسب ذكر الباب الثالث بابًا بلا ترجمة أيضًا، لأنَّه لا تعلق له بفضل التَّحميد، لكنَّ تعلقًا ظاهرًا بباب ما يقول الإمام ومَنْ خلفه في القومة، فكأنَّ الإمام البخاريَّ: ذكر أوَّلًا ما يقوله الإمام والمؤتمُّ، ثمَّ فصل بباب بلا ترجمة ما ورد في الرِّوايات في القومة، وليس بمعمول به، فكأنَّه فصل [بالبابين] بين المعتاد وغير المعتاد، وأمَّا ذكر القنوت فيه فليس في النُّسخ الشَّهيرة كما أقرَّ به الشُّرَّاح، ولأنَّه على نسخة القنوت لا يناسب(2) حديث رفاعة بن رافع الوارد في هذا الباب، وَوُجِّهَ في «تقرير مولانا حسين علي البنجابي» بأنَّه يفهم مِنْ إطلاقه عدم القنوت، فالقنوت في حدوث واقعة وعدمه في غيره. انتهى.
          وهذا توجيه لطيف على ثبوت القنوت في التَّرجمة، وعلى هذا يزول(3) الإيرادات عن الأبواب والرِّوايات في ألفاظ التَّحميد، ولذا اختلفت الأئمَّة في الرَّاجح مِنْ ألفاظه، فعندنا _الحنفيَّةَ_ أفضلها اللَّهمَّ ربَّنا ولك الحمد، وعند الحنابلة: / ربَّنا ولك الحمد بالواو، وفي رواية: اللَّهمَّ ربنا لك الحمد، أي: بدون الواو، والمعروف في متون المالكيَّة: ربَّنا لك الحمد، وكذا عند الشَّافعيَّة قال البجيرميُّ: أفضلها ربَّنا لك الحمد على المعتمد. انتهى..
          [لكن حكى الحافظ عن النَّوويِّ: ثبتت الرِّواية بإثبات الواو وحذفها، والوجهان جائزان بغير ترجيح. انتهى].
          قال ابن القيم في «الهدي» أما الجمع بين اللهم والواو فلم يصح. انتهى. وتعقب عليه الزرقاني والحافظ في الباب الآتي إذ قال وفي رواية الكشمهيني ولك الحمد بإثبات الواو، ففيه رد على ابن القيم. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((وأما)).
[2] في (المطبوع): ((يناسبه)).
[3] في (المطبوع): ((تزول)).