الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الجمع بين السورتين في ركعة

          ░106▒ (باب: الجَمْع بَيْن السُّورَتَيْن في رَكْعَة...) إلى آخره
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: يعني بذلك أنَّ فرض القراءة ساقط كيفما قرأ، لإطلاق قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل:20] فلا يتقيَّد بشيء مِنَ القيود، نعم الاستحباب والسُّنِّيَّة شيئان آخران لا ينكر ثبوتهما في بعض دون بعض بالرِّوايات. انتهى.
          وفي «هامشه»: ما أفاده الشَّيخ قُدِّس سرُّه واضح، وفيه حمل للتَّرجمة على أمر متَّفق عليه، وكأنَّه حمل عليه الحافظ أيضًا نقلًا عن ابن المُنَيِّر إذ قال: إنَّ جميع ما استدلَّ به البخاريُّ محمول على بيان الجواز، واختاره العلَّامة العينيُّ أيضًا، فتكون التَّرجمة مِنَ الثَّامن عشر مِنْ أصولِ التَّراجم.
          ولا يبعد عند هذا العبد الضَّعيف أنَّ التَّرجمة من أصل آخر معروف مِنْ أصولِ التَّراجم المتقدِّمة في الجزء الأوَّل، وهو الأصل الثَّالث عشر، فقد ترجم ابن أبي شيبة في «مصنَّفه» باب: من كان لا يجمع بين السُّورتين في ركعة، وأخرج فيه عن عكرمة بن خالد قال: (كان أبو بكر بن عبد الرَّحمن بن الحارث لا يجمع بين السُّورتين في ركعة، ولا يجاوز سورة إذا ختمها حتَّى يركع)(1)، وأخرج عن أبي عبد الرَّحمن: (أنَّه كان لا يقرن بين السُّورتين في ركعة)(2)، وغير ذلك مِنَ الآثار المذكورة في «هامش اللَّامع».
          فغرض المؤلِّف بهذه التَّرجمة هو الرَّدُّ على هذا، وهو الأصل الثَّالث عشر، ثمَّ ذكر المصنِّف في التَّرجمة أربعة(3) مسائل:
          الأولى: هذه، أعني: الجمع بين السُّورتين في ركعة وهي خلافيَّة.
          قال العلَّامة العينيُّ: في حديث أنس ☺ جواز الجمع بين السُّورتين في ركعة واحدة، وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشَّافعيُّ وأحمد في رواية. انتهى.
          قلت: لا بأس بالجمع بين السُّورتين في النَّافلة عند أحمد، وفي المكتوبة عنه روايتان: الكراهة وعدمها، كما في «المغني».
          وقال ابن عابدين عن أبي حنيفة إنَّه قال: لا أحبُّ أن يقرأ سورتين بعد الفاتحة في المكتوبات، ولو فعل لا يكره، وفي النَّوافل لا بأس به. انتهى.
          والمسألة الثَّانية: القراءة بالخواتيم، وعامَّة الشُّرَّاح على أنَّ هذا الجزء مِنَ التَّرجمة لا يثبت بشيء مِنَ الرِّوايات ولا الآثار إلَّا أن يثبت بالإلحاق أو بعموم قول قَتَادة: كل كتاب الله، ويمكن عندي أن يقال: إنَّه لمَّا فرَّق السُّورة في الرَّكعتين فلا بدَّ أن يقرأ في الأولى بالأوائل، وفي الثَّانية بالأواخر، فوجد القراءة بالخواتيم مِنْ هذا الوجه... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».
          وفيه أيضًا قال الموفَّق: لا تكره قراءة أواخر السُّور وأوساطها في إحدى الرِّوايتين، والرِّواية الثَّانية يكره. انتهى. / وعندنا الحنفيَّة مكروه، كما في «الدُّر المختار».
          المسألة الثَّالثة: قراءة سورة قبل سورة، قال الحافظ: إنَّه خلاف الأولى عند مالك والشَّافعيِّ، وعن أحمد والحنفيَّة أنَّه مكروه.
          والمسألة الرَّابعة: القراءة بأوَّل سورة، قال العينيُّ: لا خلاف فيه ولا كراهة إن كان القطع لعذر وإن لم يكن لعذر فلا كراهة أيضًا عند الجمهور، وعن مالك: في المشهور كراهته.
          وبقي هاهنا المسألة الخامسة والسادسة: لم يذكرهما الإمام في التَّرجمة ومذكوران في قول قَتَادة إلَّا أنَّ الإمام البخاريَّ لم يصرِّح بهما في التَّرجمة وهما لتفريق سورة واحدة في الرَّكعتين، وترويد(4) سورة واحدة في الرَّكعتين... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».


[1] مصنف ابن أبي شيبة (رقم: 3706)
[2] مصنف ابن أبي شيبة (رقم 3707)
[3] في (المطبوع): ((أربع)).
[4] في (المطبوع): ((وترديد)).