الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب عقد الثياب وشدها

          ░136▒ (باب: عَقْد الثِّيَاب وَشَدِّها...) إلى آخره
          اعلم أنَّ الإمام البخاريَّ ترجم بثلاثة أبواب:
          الأوَّل: (باب: عقد الثِّياب...) إلى آخره ، وأُورد عليه أنَّها مِنْ أبواب الثِّياب ليست في محلِّها، حتَّى قال بعضهم: إنَّ ذلك مِنَ النُّسَّاخ، فذكروا بابين مِنْ أبواب الثِّياب هاهنا، وذكروا ترجمتين مِنْ أبواب صفة الصَّلاة في أبواب الثِّياب وهما (باب: إذا لم يُتِم السُّجود) و(باب: يُبْدي ضَبْعَيْه)، والأوجه عندي أنَّ ذلك كلَّه مِنْ لطائف البخاريِّ ودقَّة نظره المعروفة تشحيذًا للأذهان، والغرض مِنْ ذكر هذا الباب هاهنا أنَّ ما سيأتي مِنَ النَّهي عن كفِّ الثِّياب محمول على الأمن مِنَ الكشف، أمَّا إذا خاف كشف العورة فلا بدَّ مِنْ عَقْدِها، لأنَّ الفرض أهمُّ مِنَ المستحبَّات.
          قال الحافظ: قوله: (باب: عقد الثِّياب...) إلى آخره كأنَّه يشير إلى أنَّ النَّهي الوارد عن كفِّ الثِّياب في الصَّلاة محمول على غير حالة الاضطرار، ووجه إدخال هذه التَّرجمة في أحكام السُّجود مِنْ جهة / أنَّ حركة السُّجود والرَّفع منه تسهل مع ضمِّ الثِّياب وعقدها لا مع إرسالها وسدلها، أشار إلى ذلك ابن المُنَيِّر. انتهى.
          والأوجه عندي أنَّه ذكره في أبواب السُّجود لأنَّ الكشف أقرب في السُّجود لما فيه مِنْ إبداء الضَّبْعَين وتجافي اليدين، فكأنَّه ☺ ذكر الثِّياب هاهنا مخافة ألَّا يبالي أحد بإتمامه، اهتمامًا باشتمال الثِّياب وعدم الكشف، فذكر في الموضعين المسألتين اهتمامًا بهما لئلَّا يقصِّر أحد في إحداهما اهتمامًا بالآخر، ثمَّ ذكر الإمام ثانيًا: (باب: لا يكفُّ شعره).
          وثالثًا: (باب: لا يكفُّ ثوبه...) إلى آخره وفَرَّقَهما على عادته اهتماما بكلِّ واحد منهما، قال الحافظ: المراد بالشَّعر شعرُ الرَّأس، ومناسبة هذه التَّرجمة لأحكام السُّجود مِنْ جهة أنَّ الشَّعر يسجد مع الرَّأس إذا لم يُكَفَّ أو يلف، وجاء في حكمة النَّهي عن ذلك أنَّ غرزة الشَّعر يقعد عليها الشَّيطان حالة الصَّلاة، كما جاء في «سنن أبي داود». انتهى.
          ثمَّ لا يذهب عليك أنَّ المصنِّف ذكر في (باب: لا يكفُّ ثوبه) حديث ابن عبَّاس المذكور في الباب الماضي، وسياق الحديث في البابين على نسق واحد، ومع ذلك أطلق الإمام التَّرجمة الأولى وقيَّد الثَّانية بقوله: (في الصَّلاة)، ولم أر مَنْ نبَّه على ذلك الفرق، والأوجه عندي أنَّ النَّهي عن كفِّ الشَّعر عند الإمام مطلق سواء فعله قبل الصَّلاة أو فيها لكونه مقعد الشَّيطان، والنَّهي عن كفِّ الثَّوب عنده مقيَّد بالصَّلاة، فكأنَّه مال في ذلك خاصَّة إلى ما جنح إليه الدَّاوديُّ، فقد قال العينيُّ في (باب: السُّجود على سبعة أعظم) تحت قوله صلعم: (لَاْ يَكُفَّ شَعَرًا وَثَوْبًا): فيه كراهة كفِّ الثَّوب والشَّعر، وظاهر الحديث النَّهي عنه في حال الصَّلاة، وإليه مال الدَّاوديُّ خلاف ما عليه الجمهور، فإنَّهم كرهوا ذلك للمصلِّي سواءٌ فعله في الصَّلاة أو قبل أن يدخل فيها، واتَّفقوا على أنَّه لا يفسد الصَّلاة. انتهى(1) مِنَ «هامش اللَّامع».


[1] النص بطوله مختصر من اللامع.