الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها

          ░95▒ (باب: وجُوب القِرَاءَة للإمَام والمَأموم...) إلى آخره
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: استدلَّ على مدَّعاه بأنَّ الوارد مطلقٌ عن تقييد بشيء مِنَ الصَّلوات أو المصلِّين، ثمَّ إنَّ الحسن وزفر ذهبا إلى إيجاب القراءة في ركعة مِنَ الفريضة، والحنفيَّة في اثنتين، ومالك في الثَّلاث، والشَّافعيُّ في الأربعة وهو الَّذِي قصد المؤلِّف إثباته، وأنت تعلم أنَّه غير ثابت، نعم غاية ما ثبت أنَّه صلعم كان يقرأ فيها كلها، ونحن لا ننكر ذلك، وإنَّما النِّزاع في إثبات ركنيَّتها، فكان دوامه على القراءة كدوامه على الأذان والإقامة وغيرهما مِنَ السُّنن، فعليهم إثبات أنَّ القراءة ركن تفسد الصَّلاة بعدمها. انتهى.
          وفي «هامشه»: وجَّه الشَّيخ قُدِّس سرُّه توجيهًا كلِّيًّا لتطابق التَّرجمة بالرِّوايات بأنَّ الإمام البخاريَّ أخذ في هذا الباب الاستدلال بالعموم، وهو أصل مطَّرد وهو الأصل الخمسون، وعلى هذا لا يحتاج إلى التَّوجيه في الرِّوايات وإبداء الاحتمالات كما ذكره الشُّرَّاح، ونقل عنهم في «هامش اللَّامع».
          والأوجه عندي أنَّ هذا الباب بمنزلة الكتاب لأبواب القراءة الآتية كلها، فما سيأتي مِنَ الأبواب شرح وتفصيل لهذا الباب بمنزلة الباب في الباب، وهذا ممَّا لا بدَّ منه لئلَّا يَرِدَ ما أورده(1) على بعض الأبواب الآتية مِنْ أنَّه لا حاجة لهذا الباب، كما قالوا في (باب: القراءة في المغرب) وفي (باب: الجهر بالمغرب) وغير ذلك مِنَ الأبواب، فإنَّها ليست بأبواب مستقلَّة، بل لتفصيل(2) القراءة(3) في الصَّلوات كلِّها وما يجهر وما يخافت.
          وقال القَسْطَلَّانيّ: قوله: (باب: وجوب القراءة...) إلى آخره ، هذا مذهب الجمهور خلافًا للحنفيَّة حيث قالوا: لا تجب على المأموم. انتهى.
          وليت شعري كيف صدر هذا(4) الكلام مِنْ مثل العلَّامة القَسْطَلَّانيِّ، فإنَّ عدم وجوب القراءة على المقتدي مذهب الجمهور منهم الأئمَّة الثَّلاثة غير الشَّافعيِّ، مع الاختلاف بينهم في ندبها للمقتدي، ولا تجب القراءة على المقتدي إلَّا في قول واحد مِنْ أقوال الإمام الشَّافعيِّ كما بسط في «الأوجز» عن فروعهم، / فتدبَّر قول العلَّامة القَسْطَلَّانيِّ: هذا مذهب الجمهور خلافًا للحنفيَّة، فإنَّ الجمهور عنده اسم لِمَنْ هو على مسلكه وإن كانت شرذمة قليلة.
          ثمَّ لا يذهب عليك أنَّ الإمام البخاريَّ ترجم لوجوب القراءة مطلقًا، ولم يبوِّب في «صحيحه» ترجمة لفاتحة الكتاب خاصَّة، مع تخريجه رواية عبادة بن الصَّامت الآتية قريبًا، ومِنْ عادته المعروفة أنَّه يترجم على رواية واحدة عدَّة أبواب لمسائل مختلفة، فظاهر صنيعه أنَّه مال في تلك المسألة إلى قول الحنفيَّة: إنَّ الفرض مطلق القراءة، وهي رواية لأحمد، والأخرى له وهو مذهب الإمامين مالك والشَّافعيِّ أنَّ الفرض قراءة الفاتحة خاصَّة.
          وقال مولانا العلَّامة الشَّيخ أنور في «الفيض»: عمَّم المصنِّف في التَّرجمة بالأنواع كلِّها وجهر به، ولم يتكلَّم في حقِّ المقتدي بحرف، وأخفاه مع أنَّ جملة الخبر ومحطَّ النَّظر هو ذلك لا غيرُ، وهذا يدلُّ على أنَّ في النَّفس منه شيء، ولو كان هناك منصف لكفى له صنيع المؤلِّف ☼ وشفاه في هذا الباب، فإنَّه مع شغفه بإيجاب الفاتحة [على] المقتدي لم يجد إلى إثباته سبيلًا، وذلك لأنَّ قوله صلعم: (لَا صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) لم يقم عنده دليل على الإيجاب، وإلَّا لجهر به على عادته(5)... إلى آخر ما بسطه.


[1] في (المطبوع): ((أوردوا)).
[2] في (المطبوع): ((تفصيل)).
[3] في (المطبوع): ((للقراءة)).
[4] قوله: ((هذا)) ليس في (المطبوع).
[5] «فيض الباري» 2/340