الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من لم ير رد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة

          ░154▒ (باب: مَن لَم يَرُدَّ السَّلام عَلى الإِمَام...)
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: يمكن أن يكون المراد بذلك بيانَ حكم مَنْ لم ينو الإمام بتسليمته، واكتفى بلفظ التَّسليمة، وتخصيص الإمام بالذِّكر لأنَّ مَنْ تركه فهو لمن سواه أترك، فصار المعنى أنَّ مَنْ لم ينو في تسليمته أحدًا واكتفى بمجرَّد اللَّفظ ولم يفهم المراد به، ولا عيَّن المُسَلَّم عليه، فماذا حكمه؟ ثمَّ أثبت بإطلاق الرِّواية وعدم تقييد التَّسليم فيها بشيء مِنَ النِّيَّات وغيرها أنَّ صلاته جائزة لا تفسد، وأمَّا أنَّه هل ترك بذلك سنَّة أو مستحبًّا فأمرٌ آخر غير متعرِّض به هاهنا، والله أعلم، ولعلَّ معنى قوله: واكتفى بتسليم الصَّلاة، على هذا التقدير أنَّه لم ينو بتسليمته إلَّا الخروج مِنَ الصَّلاة لا غير. انتهى.
          وفي «هامشه»: غرض التَّرجمة عندي واضح لا غبار عليه، والعجب أنَّ المشايخ والشُّرَّاح اختلفوا في غرضه على أقوال مع وضوح غرض البخاريِّ بذلك، وهو أنَّه أراد الرَّدَّ على مَنْ قال بتسليمة ثالثة ردًّا على الإمام لرواية أبي داود عن سمرة قال: ((أمرنا النَّبيُّ صلعم أن نردَّ على الإمام))، وأخرج مالك في «الموطَّأ» عن ابن عمر ☺ : أنَّه إذا قضى تشهُّده وأراد أن يسلِّم قال: السَّلام عليكم عن يمينه، ثمَّ يردُّ على الإمام، فإن سلَّم عليه أحد عن يساره ردَّ عليه.
          وبسط في «الأوجز» أنَّ مذهب الإمام مالك وحدة السَّلام للإمام، والفذُّ تلقاء وجهه، وتثليث السَّلام للمأموم(1). انتهى.
          وقال الحافظ: أورد البخاريُّ فيه حديث عِتْبَان، واعتماده فيه على قوله: وسَلَّمنا حين سَلَّم، فإنَّ ظاهره أنَّهم سلَّموا نظير سلامه، وسلامه إمَّا واحدة وهي الَّتي يُتحلَّل بها مِنَ الصَّلاة، وإمَّا هي وأخرى معها فيحتاج مَنْ يستحبُّ تسليمة ثالثة على الإمام بين التَّسليمتين كما تقول المالكيَّة إلى دليل خاصٍّ، وإلى ردِّ ذلك أشار البخاريُّ.
          وقال ابن بطَّالٍ: أظنُّه قصد الرَّدَّ على مَنْ يوجب التَّسليمة الثَّانية، وقد نقله الطَّحاويُّ عن الحسن، وفي هذا الظَّنِّ بُعدٌ(2). انتهى.
          قلت: والبعد ظاهر، فإنَّ التَّسليمتين ثبتا مِنْ فعلِه صلعم في روايات عديدة ذكرها العينيُّ عن عشرين صحابيًّا، فكيف يمكن أن يردَّ عليه البخاريُّ؟ وأعجب منه [ما] قال الكَرْمانيُّ: يحتمل أن يراد به التَّسليمة الأولى الَّتي بها تحلُّل الصَّلاة، وأن يراد ما في التَّحيَّات مِنْ: سلامٌ علينا وعلى عباد الله الصَّالحين المتناول للإمام. انتهى.
          فإنَّه لا تعلُّق له بالتَّرجمة بقوله: (باب: مَنْ لم يردَّ السَّلام)، اللَّهمَّ إلَّا أن يقال: إنَّه أثبتها بعدم ذكر الثَّالث، واكتفى في العمل على رواية أبي داود المذكورة بالتَّسليمة الأولى في الصَّلاة أو بتسليمة التَّحيَّات. انتهى. /


[1] أنظر أوجز المسالك:2/250
[2] فتح الباري2/323 والنص كله منقول كما اشار المؤلف من لامع الدراري وهامشه.