التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب المرأة تطرح عن المصلى شيئًا من الأذى

          ░109▒ باب المَرأَةِ تَطْرَحُ عَنِ المُصَلِّي شَيْئًا مِنَ الأَذى. /
          520- ذكر فيه حديث عبد الله بن مسعودٍ. وقد سلف بطوله في الطَّهارة، والكلام عليه مستوفًى [خ¦240].
          وهذه التَّرجمة قريبةٌ مِن معنى الأبواب المتقدِّمة قبلَها، وذلك أنَّ المرأة إذا تناولت طرحَ ما على ظهر المصلِّي من الأذى فإنَّها لا تقصد إلى أخذ ذلك مِن ورائه إلَّا كما تقصد إلى أخذه مِن أمامه، بل تتناول ذلك مِن أيِّ جهات المصلِّي أمكنها تناوله وسهُل عليها طرحه. فإن لم يكن هذا المعنى أشدَّ مِن مرورها بين يديه فليس بدونه.
          ومِن هذا الحديث استنبط العلماء حكم المصلِّي إذا صلَّى بثوبٍ نجسٍ وأمكنه طرحه في الصَّلاة فطرحه. فذهب الكوفيُّون إلى أنَّه يتمادى في صلاته ولا يقطعها، ورُوي مثله عن ابن عمر والقاسم والنَّخَعيِّ والحسن البصريِّ والحكم وحمَّادٍ. وبه قال مالكٌ في رواية ابن وَهبٍ، وقال مرَّةً: يَقطعُ وينزع ويستأنف. قال إسماعيل: وعلى مذهب عبد الملك يُتمُّ صلاته ولا يقطعها ويعيد، وهو قول الكوفيِّين.
          قال ابن بطَّالٍ: ورواية ابن وَهبٍ عن مالكٍ أشبه، والرِّواية الأخرى استحسانٌ منه واحتياطٌ للصَّلاة، والأصل في ذلك ما فعله الشَّارع مِن أنَّه لم يقطع صلاته والحالة هذِه بل تمادى فيها حتَّى أكملها. والحجَّة في السُّنَّة لا فيما خالفها، ولا وجه لمن قال بالإعادة؛ لأنَّه إن جاز التَّمادي فلا معنى للإعادة، وإلَّا فالتَّمادي فيما لا يجزئُ لا معنى له.
          وهؤلاء الَّذين دعا عليهم الشَّارع كانوا ممَّن لم يُرج إجابتهم ورجوعهم إلى الإسلام فلذلك دعا عليهم بالهلاك، فأجاب الله تعالى دعاءه فيهم، وهم الَّذين أخبر الله ╡أنَّه كفَّاه إيَّاهم بقوله: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر:95] فأمَّا كلُّ مَن رجا منه الرُّجوع والتَّوبة عمَّا هو عليه فلم يعجل بالدُّعاء عليه، بل دعا له بالهدى والتَّوبة، فأجاب الله تعالى دعاءه فيهم.
          وفيه: الدُّعاء على أهل الكفر إذا جنَوا جناياتٍ وآذَوا المؤمنين.