التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم

          ░77▒ بَابُ الخَيْمَةِ فِي المَسْجِدِ لِلْمَرْضَى وَغَيْرِهِمْ
          463- ذَكَرَ فيهِ حديثَ عَائِشَةَ قَالَتْ: (أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الخَنْدَقِ فِي الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلعم خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ، لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ...) الحديثَ.
          والكلام عليه مِنْ أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديث أخرجه في الأحزاب مطوَّلًا [خ¦4122]، وأخرجه مسلمٌ في المغازي.
          ثانيها: (سَعْدٌ) هذا هو: ابنُ مُعَاذٍ، أبو عَمْرِو، سيِّدُ الأَوْسِ، بدريٌّ، كبير القدر، واهتزَّ عرش الرَّحمن لموته، أي استبشارًا لقدوم روحه، أو المراد حملة العرش، ومَنْ عنده مِنَ الملائكة، وأبعدُ مَنْ قالَ: المرادُ بالعرشِ الَّذي وُضِعَ عليه، وتوقَّفَ مالكٌ في روايةِ هذا الحديث، ولعلَّه لا يصحُّ عنه. قال أبو نُعَيْمٍ: مات في شوالَّ، ونزل في جنازته سبعون ألف ملكٍ ما وطئوا الأرض.
          ثالثها: هذه الخيمة كانت لرُفَيْدَةَ الأنصاريَّةِ، وقيل: الأَسْلَمِيَّةِ، وكانت تُداوي الجرحى، وتحتسب بخدمتها مَنْ كانت فيه ضيعة مِنَ المسلمين.
          رابعها: (الأَكْحَلِ): عرقٌ في اليد يُفصد، ولا يُقَالُ: عرق الأكحل، كما قال في «الصِّحاح»، ويُقَالُ له كما قال في «المحكم»: النَّسَا في الفخذ، وفي الظَّهر الأبهر، وقيل الأكحل: عرق الحياة، ويُدْعَى نهر البدن، وفي كلِّ عضوٍ منه شعبةٌ لها اسمٌ على حدةٍ، فإذا قُطِعَ في اليد لم يرقأ الدَّم، وفي «الجامع»: هو عرق الحياة.
          خامسها: قوله: (فَلَمْ يَرُعْهُمْ) أي: يفزعهم، وقال الخَطَّابِيُّ: هو مِنَ الرَّوع، وهو إعظامك الشَّيء وإكباره فترتاع، قال: وقد يكون مِنْ خوفٍ، والمعنى فهم في سكون حتَّى أفزعهم الدَّم فارتاعوا له.
          سادسها: قوله: (يَغْذُو) أي: سال.
          والحديث دالٌّ لِمَا ترجم له، وهو سُكنى المساجد للعذر، وأنَّ الإمام إذا شقَّ عليه النُّهوض إلى عيادة مريضٍ يأمر أن يُنْقَلَ به إلى موضعٍ يقرب ويخفُّ عليه زيارته، واستدلَّ به مالكٌ وأحمدُ على أنَّ إزالة النَّجاسة ليست فرضًا؛ لأنَّه لم يحل بينها وبين الذَّريعة إليها، ولم يمنعه مِنَ السُّكنى، وعزاه بعضهم إلى القديم، ولك أن تقول: إنَّه ما سكن إلَّا بعد الاندمال، ولا يُخْشَى منه محذور غالبًا.