التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب

          ░97▒ بابٌ.
          ولم يترجمه.
          506- ثمَّ ساق حديث ابن عُمَر أيضًا وفيه: (فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَريبًا مِنْ ثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ، صَلَّى).
          والكلام على ذلك مِن أوجهٍ:
          أحدها: الطَّريق الأولى انفرد بها البخاريُّ، والثَّانية وافقه مسلمٌ عليها، ثمَّ منهم مَن جعله مِن مسندٍ بلالٍ، ومنهم مَن جعله مِن مسند ابن عُمرَ.
          ثانيها: قد قدَّمنا الرِّوايتين، الأولى: أنَّه ((جعل عمودًا عن يساره وعمودًا عن يمينه وثلاثة أعمدةٍ وراءه))، والثَّانية: ((عمودين عن يمينه)). والبخاريُّ ذكرها مِن طريق إسماعيل عن مالك، فقال وقال إسماعيل: حدَّثني مالكٌ وقال: ((عمودَين عن يمينه)).
          وقال خلفٌ: لم أجده مِن حديث إسماعيل، وقد اختُلف عن مالكٍ في لفظه، فرواه مسلمٌ: ((عمودَين عن يسارِه، وعمودًا عن يمينه))، وفي البخاريِّ: ((عمودًا عن يسارِه، وعمودًا عن يمينِه)). قال البيهقيُّ: وهو الصَّحيحُ، وفي رواية: ((جعلَ عمودًا عن يمينِه، وعمودَين عن يسارِه)) عكس ما سلف. ويحتاجُ إلى جمعٍ إن لم تتعدَّد الواقعة؛ فإنَّه صلعم مكثَ في الكعبة طويلًا بخلاف ما سلف مِن كونه على يمينه أو يساره، فإنَّه قصد أنَّه صلَّى بين عمودين، وسواءٌ كانا عن يمينه أو عن يساره / لأنَّه لم يقصد ذكرهما، وقد أسلفنا الكلام على هذا الحديث في الكلام على مقام إبراهيم والأبواب والغَلَق للكعبة [خ¦397].
          ثالثها: وهو مقصود التَّرجمة: لا شكَّ في جواز الصَّلاة بين السَّواري، وقول البخاريِّ: (في غير جماعةٍ) إشارةٌ إلى قطعها الصُّفوف.
          قال ابن بطَّالٍ: وإنَّما يُكره أن يكون الصَّفُّ يقطعه أسطوانةٌ إذا صلَّوا جماعةً خشية أن يمرَّ أحدٌ بين يديه وإن كان الإمام سترةً لمن خلفَه، ويُستحبُّ أن تكون الأسطوانة خلف الصَّفِّ أو أمامَه ليستتر بها المصلِّي في الجماعة. قال القرطبيُّ: وسبب الكراهة بين الأساطين أنَّه رُوي أنَّه مصلَّى الجنِّ المؤمنين.
          واختلف السَّلف في الصَّلاة بين السَّواري فكرهه أنسُ بن مالك، وقال: ((كنَّا نتَّقيه على عهد رسول الله صلعم))، وفي لفظٍ: ((كنا نُنْهَى عن الصَّلاة بين السَّواري ونُطْرَد عنها)) صحَّحهما الحاكم. وقال ابن مسعودٍ: لا تصفُّوا بين الأساطين. وكرهه حُذَيفة وإبراهيم وقال: لا تصفُّوا بين الأساطين، وأتمُّوا الصُّفوف. وسلف أثر ابن عُمَر في ذلك [خ¦504]، وأجازه الحسَن وابن سِيرين.
          وكان سعيدُ بن جُبَيرٍ وإبراهيم التَّيميُّ وسُوَيد بن غَفَلَة يؤمُّون قومهم بين الأساطين، وهو قول الكوفيِّين، وقال مالكٌ في «المدوَّنة»: لا بأس بالصَّلاة بينها لضيق المسجد. وقال ابن حَبيبٍ: ليس النَّهي عن تقطيع الصُّفوف إذا ضاق المسجد، وإنَّما نُهي عنه إذا كان المسجد واسعًا.
          رابعها: أنَّ السُّترة ما بين المصلِّي والقِبلة ثلاثة أذرعٍ، وادَّعى ابن بطَّالٍ أنَّ الَّذي واظب عليه الشَّارع في مقدار ذلك ممرُّ الشَّاة كما جاء في الآثار.
          خامسها: صحَّة الصَّلاة في الكعبة، وقد سلف ما في ذلك [خ¦397] [خ¦398] في باب قول الله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] وسلَّم ابن بطَّالٍ أنَّ صلاته صلعم في البيت كانت مرَّةً.
          سادسها: فيه الدنوُّ مِن السُّترة، وقد أمر الشَّارع بالدنوِّ منها لئلَّا يتخلَّل الشَّيطان ذلك.