التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب

          ░53▒ بَابُ الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ الخَسْفِ وَالعَذَابِ
          وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا: كَرِهَ الصَّلاَةَ بِخَسْفِ بَابِلَ.
          هذا الأثر رواه ابنُ أبي شَيْبَةَ عن وكيعٍ حدَّثنا سُفْيَانُ، حدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ شَرِيْكٍ عن عبدِ اللهِ بنِ أبي المُحِلِّ العَامِرِيِّ قال: كُنَّا مع عليٍّ فمررنا على الخسف الَّذي ببابلَ، فلم يصلِّ حتَّى أجازه، وعن حَجَرِ بنِ عَنْبَسَ الحَضْرَمِيِّ عن عليٍّ قال: ما كنت لأصلِّي في أرضٍ خَسَفَ اللهُ تعالى بها ثلاث مرارٍ.
          قال البَيْهَقِيُّ: وهذا النَّهي إن ثبت مرفوعًا، فليس لمعنًى يرجع إلى الصَّلاة؛ إذ لو صلَّى فيها لم يُعد، وإنَّما هو كما جاء في قصَّة الحجر.
          ورواه أبو داودَ مِنْ حديث أبي صالحٍ الغِفَارِيِّ _واسمه سَعِيْدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ_ أنَّ عليًّا مرَّ ببابلَ، وهو يسير فجاءه المؤذِّن يؤذِّنه بصلاة العصر، فلمَّا برز منها أمر المؤذِّن فأقام، فلمَّا فرغ مِنَ الصَّلاة قالَ: إنَّ حبيبي صلعم نهاني أن أصلِّي في المقبرة، ونهاني أن أصلِّي في أرض بابلَ؛ فإنَّها ملعونةٌ، وهو حديثٌ واهٍ، قال ابنُ يُونُسَ: ما أظنُّ أنَّ أبا صالحٍ سمع مِنْ عليٍّ، وقال عبدُ الحقِّ: حديثٌ واهٍ.
          وقال ابنُ القَطَّانِ: في سنده رجالٌ لا يُعْرَفُون، وقال البَيْهَقِيُّ في «المعرفة»: إسناده غير قويٍّ.
          وقال الخَطَّابِيُّ: في سنده مقالٌ، ولا أعلم أحدًا مِنَ العلماء حرَّم الصَّلاة في أرض بابلَ، وقد عارضه ما هو أصحُّ، وهو قوله ◙: ((جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا)).
          ويشبه _إن ثبت الحديث_ أن يكون نهاه أن يتَّخذها وطنًا ومقامًا، كأنَّه إذا أقام بها كانت صلاته فيها، وهذا مِنْ باب التَّعليق في علم البيان، ولعلَّ النَّهي له خاصَّةً، ألا تراه قال: نهاني، ولعلَّ ذلك إنذارٌ منه ممَّا لقي مِنَ المحنة بالكوفة، وهي مِنْ أرض بابلَ.
          فائدةٌ: بابلُ بالعراق مدينة السِّحر والخمر معروفةٌ، قاله البَكْرِيُّ، ونُقل عن أصحاب الأخبار أنَّه بناها النَّمْرُودُ الخاطئ المخذل ببابلَ طوله في السَّماء خمسة آلاف ذراعٍ، وهو البنيان الَّذي ذكره الله في كتابه العزيز بقوله: {فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ} الآية [النَّحل:26]، وبات النَّاس ولسانهم سريانيٌّ، فأصبحوا وقد تفرَّقت لغاتهم على اثنين وسبعين لسانًا كلٌّ يتبلبل بلسانه، فسُمِّيَتْ بابلُ، وذكر الهَمَذَانِيُّ أنَّ سِنَانَ بنَ عِمْرَانَ العمليقيَّ أوَّل الفراعنة تملَّك في الإقليم الأوسط في حصنه المشتري، وولايته وسلطانه بأرض السَّواد، واشتقَّ اسم موضعه مِنِ اسم المشتري، وبابلَ باللِّسان الأوَّل ترجمته المشتري بالعربيَّة قال: وربَّما سمَّوا العراقَ بابلًا.
          قال الأَخْفَشُ فيما نقله الصَّغَانِيُّ: وبابلُ لا ينصرف لتأنيثه؛ وذلك أنَّ كلَّ اسمٍ مؤنَّثٍ إذا كان أكثر مِنْ ثلاثة أحرفٍ فإنَّه لا ينصرف في المعرفة، وقال الحَازِمِيُّ: قيل لأبي يَعْقُوبَ الإِسْرَائِيْلِيِّ _وكان قد قرأ الكتب_ ما بال بغداد لا نرى فيها إلَّا مستعجلًا؟ قال: إنَّها قطعةٌ مِنْ أرض بابلَ فهي تبلبل أهلها.