التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من صلى وقدامه تنور أو نار أو شيء مما يعبد فأراد به الله

          ░51▒ بَابُ مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ نَارٌ، أَوْ شَيْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ، فَأَرَادَ بِهِ اللهَ
          وَقَالَ الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي أَنَسٌ: (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ وَأَنَا أُصَلِّي)، هذا التَّعليق أسنده البخاريُّ في باب وقت الظُّهر عند الزَّوال كما ستعلمه [خ¦540].
          431- ثمَّ ساقَ مِنْ حديثِ عَطَاءٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلعم، ثمَّ قَالَ: أُرِيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ).
          وهذا الحديث أخرجه في مواضع قريبًا في الصَّلاة [خ¦745] [خ¦1212]، والكسوف [خ¦1052]، وبدء الخلق [خ¦3201]، والذَّبائح مطوَّلًا، ولم يعزه خَلَفٌ في «أطرافه» إلى الصَّلاة، وعزاه إلى الباقي، وأخرجه مسلمٌ والنَّسَائِيُّ أيضًا، وأبو داودَ مختصرًا، ولم يذكر أنَّه رأى النَّار، ووقع في نسخة القاضي أبي عُمَرَ الهاشميِّ عن عَطَاءٍ عن أبي هريرةَ، وهو وَهَمٌ نبَّه عليه ابنُ عَسَاكِرَ.
          ثمَّ الكلام عليه مِنْ أوجهٍ:
          أحدها: في مطابقة التَّبويب لمَّا ذكره نظرٌ؛ لأنَّه لم يفعل ذلك مختارًا، إنَّما عرض عليه بذلك بغير اختياره لمعنى أراده الله تنبيهًا للنِّساء وغيرهنَّ، نبَّه على ذلك ابنُ التِّيْنِ، ثمَّ الصَّلاة جائزةٌ إلى كلِّ شيءٍ إذا لم يقصد الصَّلاة إليه وقصد بها وجه الله تعالى خالصًا، ولا يضرُّه استقبال شيءٍ مِنَ المعبودات وغيرها، كما لم يضرَّ الشَّارع ما رآه في قبلته مِنَ النَّار، وقد قال أَشْهَبُ: وإن صلَّى إلى قِبْلَةٍ فيها تماثيل لم يُعِدْ، وهو مكروهٌ.
          قال الإِسْمَاعِيْلِيُّ: ليس ما أراه الله مِنَ النَّار حين أطلعه عليها بمنزلة نارٍ يتوجَّه المرء إليها، وهي معبودةٌ لقومٍ، ولا حكم ما أُرِيَ؛ ليخبرهم بما رآه فحكم مَنْ وضع الشَّيء بين يديه أو رآه قائمًا موضوعًا فجعله أمام مصلَّاه وقِبْلَتَهُ.
          ثانيها: الخسوفُ _بالخاء وبالكاف_ وقيل: بالخاء للقمر، وبالكاف للشَّمس، فعلى هذا يكون مستعارًا، وقيل: بالخاء إذا ذهب الضَّوء كلُّه، وبالكاف إذا ذهب بعضه، وقد روى حديث صلاة الكسوف تسعة عشر نفسًا، جماعةٌ بالكاف وجماعةٌ بالخاء وجماعةٌ بهما، وقيل: بالكاف والخاء لهما.
          وقد بوَّب البخاريُّ على ذلك في بابه، والأحاديث دالةٌ عليه، وقيل: بالكاف تغيُّرهما، وبالخاء تغيُّبهما في السَّواد، وحكم صلاة الكسوف يأتي في بابها إن شاء الله [خ¦1040].
          ثالثها: فيه: أنَّ النَّار مخلوقةٌ الآن، وقد أبعد مَنْ أنكر ذلك مِنَ المعتزلة، ورآها رأي عينٍ، كشف الله الحجب عنها فرآها معاينةً، وكذا الجنَّة، كما كشف الله له عن المسجد الأقصى، ويحتمل أن تكون رؤية علمٍ ووحيٍ باطلاعه، وتعريفه مِنْ أمورها تفصيلًا ما لم يعرفه قبل ذلك.
          رابعها: قوله: (أَفْظَعَ) أي فظيعًا، والفظيع الشَّديد الشَّنيع الهائل، وقيل: أراد منظرًا أفظع منه فحُذِفَ منه، وهو كثيرٌ في كلامهم.
          فائدةٌ: رُوِيَ مِنْ حديث الحَسَنِ قال: حدَّثني سبعةُ رهطٍ مِنَ الصَّحابةِ أحدُهم أبو هريرةَ أنَّه ◙ نهى عن الصَّلاة في المسجدِ تجاهه حُشٌّ أو حَمَّامٌ أو مقبرةٌ، أخرجه ابنُ عَدِيٍّ وضعَّفه، وفيه آثارٌ عن ابنِ عَبَّاسٍ وغيره.