التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الحدث في المسجد

          ░61▒ بَابُ الحَدَثِ فِي المَسْجِدِ
          445- ساقَ بإسنادِهِ مِنْ حديثِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ).
          الكلام عليه مِنْ أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديث أخرجه في باب: مَنْ جلس في المسجد ينتظر الصَّلاة وفضل المساجد بزيادةٍ كما ستعلمه [خ¦659]، ورواه مسلمٌ مِنْ حديث أبي صالحٍ عن أبي هريرةَ.
          وأخرجه البخاريُّ مِنْ هذا الوجه أيضًا، ومسلمٌ مِنْ حديث أبي رافعٍ الصَّائِغِ، ومُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ أيضًا عن أبي هريرةَ، ويأتي في البخاريِّ أيضًا مِنْ حديث عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي عَمْرَةَ عن أبي هريرةَ، وسلف في الطَّهارة مِنْ حديث سَعِيْدِ بنِ أبي سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ عن أبي هريرةَ [خ¦135].
          ثانيها: قوله: (مَا لَمْ يُحْدِثْ) هو بالتَّخفيف كما قاله الدَّاوُدِيُّ، وهو دالٌ على جواز الحدث في المسجد، وقد رُوِيَ: ((مَا لَمْ يُحْدِثْ مَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا))، وتأوَّل العلماء الأذى بالغيبة وشبهها، وسببه أنَّ أذى ذلك أكثر مِنْ أذى الحدث، ومَنْ رواه بالتَّشديد أراد بغير ذكر الله تعالى، قال ابنُ التِّيْنِ: ولم يذكر التَّشديد أحدٌ، وذكر ابنُ حَبِيْبٍ عن إبراهيمَ النَّخَعِيِّ أنَّه سمع عبدَ اللهِ بنَ أبي أَوْفَى يقول: هو حديث الإثم.
          ثالثها: معنى الباب كما قال المُهَلَّبُ: أنَّ الحدث في المسجد خطيئةٌ يُحْرَمُ بها المحدث استغفارَ الملائكة، ودعاءَهم المرجوَّ بركته، وسببه ما آذاهم مِنَ الرَّوائح الخبيثة، فمَنْ أراد حطَّ ذنوبه لازم مصلَّى محبوبه بعد الصَّلاة ليستكثر مِنِ استغفار الملائكة له، وقد شبَّه ◙ ذلك بالرِّباط، وأكَّد بتكراره، {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]، وقد أخبر الشَّارع أنَّه مَنْ وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدَّم مِنْ ذنبه، وتأمينهم إنَّما هو مرَّةً عند تأمين الإمام، فكيف بمرَّاتٍ!
          وقد اختلف السَّلف في جلوس المُحْدِث في المسجد، فرُوِيَ عن أبي الدَّرْدَاءِ أنَّه خرج مِنَ المسجد فبال، ثمَّ دخل وتحدَّث مع أصحابه، ولم يمسَّ ماءً، وعن عليٍّ مثله، ورُوِيَ ذلك عن عَطَاءٍ والنَّخَعِيِّ وابنِ جُبَيْرٍ، وكره أن يتعمَّد الجلوس في المسجد على غير وضوءٍ ابنُ المُسَيَّبِ، والحَسَنُ وقالا: يمرُّ مارًّا ولا يجلس فيه.
          رابعها: (مَا) مِنْ قوله: (مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ) مصدريَّةٌ ظرفيَّةٌ، أي مدَّة دوام كونه في مصلَّاه، وهؤلاء الملائكة يجوز أن يكونوا الحفظة أو غيرهم.