التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب استقبال الرجل صاحبه أو غيره في صلاته وهو يصلي

          ░102▒ باب اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوْ غَيْرَهُ في صَلاَتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي.
          وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُصَلِّي، وَإِنَّمَا هذا إِذَا اشْتَغَلَ بِهِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ به فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَالَيْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ لاَ يَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُلِ.
          قوله: (وَإنَّما هَذَا) إلى آخره هو مِن كلام البخاريِّ، وكأنَّه رأى جواز الاستقبال إذا لم يشغله.
          وقول زيد: (مَا بَالَيْتُ) أي: لم أبالِ بذلك، ولا حرجَ. وفي كتاب «الصَّلاة» لأبي نُعَيمٍ بإسناده أنَّ عمرَ ضرب رجلين أحدهما يَستقبلُ والآخر يصلِّي. وأنَّ سعيد بن المسيِّب كره أن يصلِّي وبين يديه مخنَّثٌ. وعن سعيد بن جُبَيرٍ قَالَ: إذا كانوا يذكرون الله فلا بأس، أي: أن يأتمَّ بهم.
          ذهبت طائفةٌ مِن العلماء إلى أنَّ الرَّجل يستر الرَّجل إذا صلَّى.
          قال النَّخَعيُّ وقَتادةُ: يستره إذا كان جالسًا. وعن الحسن أنَّه يستره ولم يشترط الجلوس ولا توليةَ الظهر. وأكثر العلماء على كراهة استقباله بوجهه. قَالَ نافعٌ: كان ابن عمر إذا لم يجد سبيلًا إلى ساريةِ المسجد، فقال لي: وَلِّ ظهرَك. وهو قول مالكٍ. وروى أشهبُ عنه: أنَّه لا بأس أن يصلِّي إلى ظهر رجلٍ، فأمَّا إلى جنبه فلا. وخفَّفه مالك في رواية ابن نافعٍ. وأجاز الكوفيُّون والثَّوريُّ والأوزاعيُّ الصَّلاة خلف المتحدِّثين. وكرهه ابن مسعودٍ.
          وعن ابن عمر كان لا يستقبل مَن يتكلَّم إلَّا يوم الجمعة. وقال ابن سِيرين: لا يكون الرَّجلُ سترة للمصلِّي. والحديث الآتي في الباب وهو نوم عائشةَ بين القبلة وبينه حجَّةٌ لمن أجاز ذلِكَ؛ لأنَّها إذا كانت في قبلته فالرَّجل أولى.
          ومَن كره الاستقبال فلِما يُخشى عليه من اشتغاله بالنَّظر إليه في صلاته، ولهذا كره الصَّلاة إلى الحِلَق لِمَا فيها مِن الكلام واللَّغط المُشغلين للمصلِّي. وعن مالكٍ: لا يصلِّي إلى المتحلِّقين؛ لأنَّ بعضهم يستقبله، وأرجو أن يكون واسعًا.