التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب نوم المرأة في المسجد

          ░57▒ بَابُ نَوْمِ المَرْأَةِ فِي المَسْجِدِ
          439- ذَكَرَ فيهِ حديثَ عَائِشَةَ: (أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنَ العَرَبِ، فَأَعْتَقُوهَا...) الحديثَ، وفي آخرِهِ:
وَيَوْمَ الوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا                     أَلَا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الكُفْرِ أَنْجَانِي
          قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا شَأْنُكِ، لَا تَقْعُدِينَ مَعِي مَقْعَدًا إِلَّا قُلْتِ هَذَا؟ فَحَدَّثَتْنِي بِهَذَا الحَدِيثِ.
          والكلام عليه مِنْ أوجهٍ، وقد أخرجه في أيَّام الجاهليَّة أيضًا [خ¦3835].
          أحدها: الوليدةُ: الطِّفلة، وقد يُطْلَق على الجارية والأَمَةِ، وإن كانت كبيرةً، قال في «المخصَّص»: إذا ولد المولود فهو وليدٌ _ساعة تلده_ والأنثى وليدةٌ، وفي «المحكمِ»: والجمع ولدان. وهذه كانت امرأةً كبيرةً مسلمةً كما ذكره في الحديث.
          ثانيها: (فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ) وفي روايةٍ: (جُوَيْرِيَةٌ عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ) هو _بكسر الواو_ ويُقَالُ بالهمز على البدل؛ يُنْسَجُ مِنْ أَدِيْمٍ عريضٍ، ويُرَصَّعُ بالجواهرِ، تشدُّه المرأة بين عاتقها وكَشْحها قاله الجَوْهَرِيُّ، وعبارة «المحكم»: هو كِرْسانٌ مِنْ لؤلؤٍ وجوهرٍ منظومان مخالَفٌ بينهما معطوفٌ أحدهما على الآخر، وقال في «المخصَّصِ» عن الفارسيِّ: الوِشَاحُ مِنْ وسطٍ إلى أسفلٍ، قال: ولا يكون وِشَاحًا حتَّى يكون منظومًا بلؤلؤٍ، وودعٍ، وفي موضعٍ مِنَ «المنتهى»: وقالَتِ امرأةٌ مِنَ العَرَبِ:
وَيَوْمُ السِّخَابِ مِنْ تَعَاجِيْبِ رَبِّنَا                     إِلَّا أَنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ السُّوءِ نَجَّاِني
          قال: وهي امرأةٌ دخلت العراق فاتَّهمها قومٌ بعقد ذَهَبٍ وأقرَّت هي، فبينا هم كذلك إذ مرَّ طائرٌ فألقاه.
          وقولها: (مِنْ سُيُورٍ) هو جمع سَيْر وهو الشِّراك يعدُّ مِنَ الجلد.
          ثالثها: قولها: (فَمَرَّتْ حُدَيَّاةٌ) هو تصغير حِدَأَةٌ كعنبةٌ، والجماعة حِدَأٌ كعنبٌ، وهو هذا الطَّائر المعروف، وجمعها حِدَاء بالقصر، وقال الدَّاوُدِيُّ: الحُدَيَّا الحِدَأَةُ، قال ابنُ التِّيْنِ: والصَّحيح أنَّه تصغير حِدَأَةٍ، ولعلَّ الكاتب صوَّر الهمزة ألفًا، وإن كان مِنْ حقِّها أن لا تصوَّر ألفًا؛ لأنَّها همزةٌ مفتوحةٌ قبلها ساكنٌ، مثل: {وَاسْأَلِ القَرْيَةَ} [يوسف:82] وإن كان سهَّل الهمز فحقُّه أن تكون حدية بغير ألفٍ، قال: ورُوِّيْنَاه بتشديد الياء وإثبات الألف.
          رابعها: قوله: (فَخَطِفَتْهُ) هو بكسر الطاء وفي لغةٍ فتحها.
          والخِبَاءُ _بكسر الخاء والمدِّ_ مِنْ بيوت العرب يكون مِنْ وبرٍ وصوفٍ، قال أبو عُبَيْدٍ: ولا يكون مِنْ شَعْرٍ فيما حكاه في «المخصَّص» عنه.
          والحِفْشُ _بالحاء المهملة_ قال أبو عُبَيْدٍ: هو البيت الصَّغير الرَّديء، وقيل: الخرب، وعن الشَّافعيِّ: القريب السَّمْك سُمِّيَ به لضيقه، والتَّحَفُّش: الانضمام والاجتماع _وهو بفتح الحاء وكسرها وإسكان الفاء وفتحها_ قال في «المخصَّص»: وهو مِنَ الشَّعر لا مِنَ الآجرِّ.
          والتَّعاجيبُ لا واحد لها، وهي الشَّيءُ العجيبُ.
          خامسها: في فوائده فيه: أنَّ مَنْ ليس له مسكنٌ ولا مكانُ مبيتٍ مباحٌ له المبيِّت في المسجد، واصطناع الخيمة وشبهها للمسكن امرأةً كانت أو رجلًا.
          وفيه: أنَّ السُّنَّة الخروج عن بلدٍ جرت على الخارج منه فتنةٌ أو ذلةٌ إلى ما اتَّسع مِنْ أرض الله، فإنَّ له في ذلك خيرةً كما جرى لهذه السَّوداء، أخرجتها فتنة الوِشَاح إلى بلاد الإسلام، ورؤية مُحَمَّدٍ سيِّد الأنام، قال تعالى: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النِّساء:97] وقد تمثلَّت بهذا المعنى في بيت الشِّعْرِ الَّذي أنشدته، فجعلت المحنة والذِّلة في يوم الوشاح هما الَّذَين أنجياها مِنَ الكفر، إذ كانا سبب ذلك.