التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الصلاة على الحصير

          ░20▒ بَابُ الصَّلاَةِ عَلَى الحَصِيرِ
          وَصَلَّى جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ وَأَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ قِيَامًا.
          وهذا الأثر رواه ابنُ أبي شَيْبَةَ عن عبدِ اللهِ بنِ أبي عُتَيْبَةَ مولى أَنَسٍ قال: سافرت مع أبي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ وأبي الدَّرْدَاءِ وجابرِ بنِ عبدِ اللهِ _قال حُمَيْدٌ: وأناسٌ قد سمَّاهُمْ_ فكان إمامُنَا يُصَلِّي بِنَا في السَّفينة قائمًا ونُصَلِّي خَلْفَهُ قيامًا، وحكى ذلك أيضًا عن غيرهم، ورواه أبو نُعَيْمٍ في كتاب الصَّلاة عن حُمَيْدٍ عن أَنَسِ بنِ سِيرِينَ قال: ((أَمَّنَا أَنَسٌ في السَّفينة على بساطٍ)).
          قال البخاريُّ: (وَقَالَ الحَسَنُ: تُصَلِّي قَائِمًا مَا لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ تَدُورُ مَعَهَا وَإِلَّا فَقَاعِدًا).
          وهذا رواه ابنُ أبي شَيْبَةَ عن حَفْصٍ عن عاصمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ والحَسَنِ وابنِ سِيرِينَ أنَّهم قالوا: صلَّ في السَّفينة قائمًا، وقال الحَسَنُ: لا تَشُقَّ على أصحابك، وفي رواية الرَّبِيْعِ بنِ صُبَيْحٍ أنَّ الحَسَنَ ومُحَمَّدًا قَالَا: يصلُّون فيها قيامًا جماعةٌ، ويدورون مع القِبْلَةِ حيث دارت.
          ورُوِيَ أيضًا عن مُجَاهِدٍ أنَّ جُنَادَةُ بنُ أبي أُمَيَّةَ قال: ((كنَّا نَغْزُو مَعَهُ فكنَّا نُصَلِّي في السَّفينةِ قعودًا))، وحُكِيَ فعله أيضًا عن أَنَسِ بنِ مالكٍ قال: وكان أبو قِلَابَةَ لا يرى به بأسًا، وقال طَاوُسٌ: صلِّ قاعدًا.
          فإن قُلْتَ: ما وجه دخول هذا في الصَّلاة على الحصير؟ قُلْتُ: لأنَّهما اشتركا في الصَّلاة على غير الأرض لئلَّا يُتَخَيَّلَ أنَّ مباشرة المصلِّي الأرض شرطٌ مِنْ قوله ◙ لمُعَاذٍ: ((عَفِّرْ وَجْهَكَ فِي التُّرَابِ)) نبَّه عليه ابنُ المُنَيِّرِ.
          واختلف العلماء في الصَّلاة في السَّفينة، فقال أبو حنيفةَ: ومَنْ صلَّى في السَّفينة قاعدًا مِنْ غير عذرٍ أجزأه، والقيام أفضل، وكذا قال الثَّوْرِيُّ: لأنَّه أبعد عن شبهة الخلاف وجُوِّزَ؛ لأنَّ الغالب في السَّفينة دوران الرَّأس، وقال صاحباه ومالكٌ والشَّافعيُّ: لا يجوز أن يصلِّي فيها قاعدًا مَنْ يقدر على القيام، وهذا الخلاف إنَّما هو في غير المربوطة، وأمَّا المربوطة فكالشَّاطئ.
          فائدةٌ: سمِّي (الحَصِيرِ) لأنَّه يلي وجه الأرض، ووجه الأرض يُسَمَّى حَصِيْرٌ قاله ابنُ سِيْدَهْ، و(السَّفِينَةِ) الفُلُكُ لأنَّها تَسْفِنُ وجه الماء أي تقشره، فعيلةٌ بمعنى فاعلةٌ.