التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قدر كم ينبغي أن يكون بين المصلى والسترة

          ░91▒ باب كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ المُصَلِّي وَالسُّترَةِ؟
          496- 497- ذكر فيه عَنْ سَهْلٍ قَالَ: (كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللهِ صلعم وبَيْنَ الجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ).
          وعَنْ سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ جِدَارُ المَسْجِدِ عِنْدَ المِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا.
          والحديثان في «صحيح مسلمٍ» أيضًا. وهما دالَّان على أنَّ القرب مِن السُّترة مطلوبٌ.
          قال ابن القاسم عن مالكٍ: ليس مِن الصَّواب أن يصلِّي وبينه وبين السُّترة صفَّان. وروى ابن المُنذِر عن مالكٍ أنَّه تباعدَ عن سترةٍ، وأنَّ شخصًا قال له: أيُّها المصلِّي ألا تَدنو مِن سُترة! فمشى الإمام إليها وهو يقول: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:113].
          قلت: ويؤيِّده ما رواه أبو داودَ _وإن كان قال: اختلف في إسناده_ مِن حديث سهلِ بن أبي حَثْمَة مرفوعًا: ((إذا صلَّى أحدُكم إلى سُترةٍ فليدنُ منها لا يقطعِ الشَّيطانُ عليه صلاتَه))، ومثله عن أبي سعيدٍ وعبد الله وابن عمرَ في ابن أبي شَيبةَ.
          قال ابن بطَّالٍ بعد ذِكر حديثَي الباب: هذا أقلُّ ما يكون بين المصلِّي وسترته، وأكثر ذلك عند قومٍ مِن الفقهاء، وقال آخرون: أقلُّ ذلك ثلاثة أذرعٍ لحديث بلالٍ أنَّ رسول الله صلعم صلَّى في الكعبة، جعل بينه وبين القبلة قريبًا مِن ثلاثة أذرعٍ. هذا قول عطاءٍ وبه قال الشَّافعيُّ وأحمد. وقال الدَّاوديُّ: أقلُّه ممرُّ الشَّاة، وأكثره ثلاثة أذرعٍ، وقال السَّبيعيُّ: رأيت عبد الله بن مُغفَّلٍ يصلِّي بينه وبين القبلة ثلاثة أذرعٍ، وفي كتاب ابن التِّين: ستَّةٌ، ورأيت في «مصنَّف ابن أبي شَيبةَ» بإسنادٍ صحيحٍ نحوه، وفي حديثٍ آخر نحوه وهي الفرجة.
          قال ابن بطَّالٍ: وهذا شذوذٌ عند الفقهاء لمخالفة الآثار الثَّابتة عن النَّبِيِّ صلعم له، منها: أحاديث هذا الباب، ومنها: حديث سهلٍ يعني السَّالف [خ¦496]، وجمع ابن التِّين بين حديث الباب وحديث بلالٍ، فقال: كان إذا قام كان بينه وبين القبلة قدر ممرِّ الشَّاة، وإذا سجد أو ركع كان بينهما ثلاثة أذرعٍ مِن موضع رجليه. ولم يحدَّ مالكٌ في ذلك حدًّا إلَّا أنَّ ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد ويتمكَّن مِن دفع مَن مرَّ بين يديه. وقيَّده بعض النَّاس بشبرٍ، وآخرون بثلاثة أذرعٍ كما سلف، وآخرون بستَّةٍ، وكلُّ ذلك تحكُّمات.