التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟

          ░15▒ بَابُ إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ تَصَاوِيرَ هَلْ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؟ وَمَا يُنْهَى مِنْ ذَلِكَ؟
          374- ثمَّ سَاقَ مِنْ حديثِ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ ◙: (أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي).
          الكلام عليه مِنْ أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديثُ أخرجَه في اللَّبَاسِ أيضًا [خ¦5959]، وأخرجَه النَّسَائِيُّ بألفاظٍ منها: ((يَا عَائِشَةُ، أَخِّرِي هَذَا، فَإِنِّي إِذَا رَأَيْتُهُ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا)) ومنها: فهتكه بيده وقال: ((إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الَّذِيْنَ يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللهِ)).
          ثانيها: ذكر البخاريُّ المُصَلَّبِ مع التَّصاوير لأنَّ كلًّا منهما تُعبد فكان بينهما مناسبةٌ، وذكر هذا الحديث هنا لأنَّه لمَّا تعرَّضت التَّصاوير له في صلاته صارت عند غيبتها تمثَّل له، فإذا صلَّى فيها كان بطريقٍ أولى.
          ثالثُها: القِرَامُ _بكسر القاف_ سِتْرٌ فيه رَقْمٌ ونُقُوشٌ، قاله الجَوْهَرِيُّ. وقال الخليلُ: ثوبُ صوفٍ ملوَّنٌ. وقيل: سِتْرٌ رقيقٌ. وقيل: مِنْ صوفٍ غليظٍ جدًّا يُفْرَشُ في الهَوْدَجِ، أو يُغَشَّى به، ومعنى (أَمِيْطِي): نَحِّي. قال الكِسَائيُّ: مِطْتُ عنه وأَمَطْتُ نَحَّيْتُ، وكذلك مِطْتُ غيري وأَمَطْتُهُ، وأنكر ذلك الأَصْمَعِيُّ وقال: مِطْتُ أنا وأَمَطْتُ غيري.
          رابعُها: الحديث دالٌ على عدم بطلان الصَّلاة بذلك؛ لأنَّه ذكر أنَّها عرضت له، ولم ينقل أنَّه قطعها ولا أعادها، وهو يشبه الحديث الَّذي في الباب قبله؛ لأنَّه لمَّا نهي عن القِرَامِ الَّذي فيه التَّصاوير عُلِمَ أنَّ النَّهي عن لباسه أشدُّ وآكد، وهذا كلُّه على وجه الكراهة، ومَنْ صلَّى بذلك أو نظر إليه فصلاته مجزئةٌ عند العلماء، لِمَا سلف مِنْ أنَّه ◙ لم يُعِدْها، قال المُهَلَّبُ: وإنَّما أمر باجتناب مثل هذا لإحضار الخشوع في الصَّلاة وقطع دواعي الشُّغل.
          خامسُها: فيه النَّهي عن الصُّور، وقيل: إنَّه منسوخٌ بحديث سَهْلٍ: ((إلَّا مَا كَانَ رَقْمًا في ثَوْبٍ))، وقيل: إنَّه مخصوصٌ بخبر سَهْلٍ، وذلك أنَّه كرههما في خاصَّةِ نفسه، وأباحهما للِّباس للضَّرورة، حكاهما ابنُ التِّيْنِ.
          قال الخَطَّابِيُّ: ويشبه أنَّها سترت عورةً مِنْ بيتها لعلمها بنهيه ◙ عن ستر الجدر، ويحتمل أن يكون النَّهي مع هذا أو بعده.